الرأي

أنت نائم والله ينصرك!



من عاداتي بين الوقت والآخر أن أقوم بتشغيل عدد من مقاطع الشيخ وسيم يوسف خطيب وإمام مسجد الشيخ زايد -رحمه الله- في أبوظبي من اليوتيوب خلال أوقات استرخائي حتى وقع سمعي مؤخراً على مقطع جميل له عن الدرر التي تحملها سورة الكهف، وكأن هذا المقطع سخره الله لأسمعه في هذا الوقت بالذات كرسالة بعد موقف شخصي تعرضت له مؤخراً من أعداء الحق وشلل الفساد الأخلاقي!

يقول الشيخ وسيم يوسف: من أفضل الدرجات في الاستماع للقرآن الكريم التدبر "أفلا يتدبرون القرآن"، فتية الكهف كان عددهم ما بين الأربعة أو الخمسة وكانت دولة تحاربهم، دولة تعبد الأصنام وتكفر بالإله، وهم طلبوا من الله أمراً فيه الرشد والرحمة والنصر لينتصروا عليهم، وكان جواب الله لهم "فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً".. وهنا يتساءل الشيخ؛ هؤلاء الشباب طلبوا من الله النصر فلمَ ضرب الله على آذانهم بالنوم؟ ما أجمل أن تتدبر بآيات ربك! كان الجواب لهم هو "ناموا" حرك تفكيرك لتعلم لماذا؟ كأن الله يوصل رسالة لي ولك في هذه الآية أن النصر هنا بالتغافل، ناموا حتى يذهب هذا الجيل ثم قوموا وادعوا الله!

كأن الله يرسل لك رسالة، خصمك سيزول وأنت تبقى لكن تغافل.. أعداء الفتية يبحثون عنهم بين الجبال والأودية، وقد جندوا الناس والكلاب والأحصنة والأموال ليبحثوا عنهم، والله قال للفتية "ناموا" لنتأمل هنا من انشغل وتعب ومن بذل وأنفق وأسرف؟ خصمهم فيما هم نيام فربما ينصرك الله بالنوم!! ينصرك في غفلتك وينصرك بالنسيان، فلا تظن أن سلاح الله فقط هو البطش، فقد كان سلاح الله معهم هو النوم! فجعل خصمهم يبحث عنهم ويخطط ويرسل الجنود وهم نيام مطمئنون، وكأنه يقول لهم أنتم ناموا والشمس سأحركها لكم بل وسأجعلكم تتقبلون "ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" أنتم مازلتم فتية في ريعان شبابكم وهم يريدون رجمكم، وكأن الله يقول عن أحسن علاج، ليس كل نصر بالمواجهة بل أعظم نصر أن تتغافل عن خصمك أحياناً! تتصرف وكأنك لا تراه!

وأزيد عليها شخصياً وكأنك لا تعرفه وتجهله! أن تنشغل في أداء رسالة الحق وتتركه للزمن والأيام فهو حربه ليست معك بالأصل بل مع الله، وإن كانت هناك عداوة فهي بسبب تمسكك بشرع الله، فيما هو يحاربك في هذا الشرع ويحاول إلغاءه، فالله كفيل به!

سورة الكهف تحمل حكمة ربانية ورسالة إلهية وهي، لا تظنوا عندما تتدبرون في القرآن وتقرؤون عن قوم نوح أني أغرقت قوم نوح أن هذا هو النصر فقط، ولا تظنوا أني رفعت قوم لوط لسابع سماء ثم قلبتها وخسفتها أن هذا هو النصر أيضاً، بل أحياناً النصر بالتغافل، أحيانا النصر يكون مع عامل الوقت والزمن، ففي سورة الكهف نصرتهم وهم نيام!! تلك الحرب الباردة أنت نائم والله ينصرك! لم يردوا على بطش قومهم بأن يشتموا أو يقذفوا، بل جعلتهم نياماً ومرت ثلاثة أجيال والنصر أتى عند أخمص أقدامهم وهم لا يشعرون، فمر الزمان عليهم كيوم وخصومهم تحت التراب وهم باقون!

أقول دائماً لأصحاب قضايا الحق: خصومكم يعلمون فداحة جريمتهم بحقكم ويدركون أنهم يعادون الله في شرعه وأحكامه ويخالفون فطرة الكون، ولكم في القرآن الكريم عبر من الأقوام الذين فعلوا نفس إجرامهم وفسادهم، ولكن أكثر ما ستعلمكم الحياة إياه "لا يصح إلا الصحيح"، "إن ينصركم الله فلا غالب لكم"، "الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون"، هم يحاولون اللؤم لنا بطرق غير مباشرة وبأساليب ملتوية غير نظيفة، فهذا ديدن المجرم أصلاً.. ليس بيده المواجهة ومقارعة الحجج ولا يملك رداً أو منطقاً يوضح فيه أسباب حربه ضد شرع الله.. هو لا يؤمن لا بحرية الرأي ولا التعبير ولا الديمقراطية ولا يود أن يسمع إلا نفسه، ويكذب على نفسه بأن ما يقوم به من إجرام يصنف على أنه إنجازات، فهو يمجد نفسه ويتغذى على آلام الآخرين.. المجرم غالباً ما يحمل صفة البطش والديكتاتورية والتصرف بإجرام عندما يرى أن غيره سيكشف جرمه ويفضح فساده.. هل رأيتم سارقاً يقر ويعترف أنه سرق؟ هل رأيتم مفسداً يعلن أنه أخطأ وأفسد وتسبب بالضرر على عباد الله؟ إن أسوأ ما يمكن أن تلامسه من بعض المجرمين والمفسدين هو أن تأخذهم العزة بالإثم! الإنكار والإسقاط وقصص الصراع بين الحق والباطل ليست وليدة هذا الزمن، بل هي بدأت منذ بدء هذا الكون وحتى تقوم الساعة! هؤلاء مثل الملحدين وإن كانوا مسلمين بالاسم.. نسوا وجود الله ولا يعترفون وهم يبطشون ويتفرعنون بوجود الله وعدالته في هذا الكون، طمس الله على قلوبهم بالغفلة ونزع منهم ضميرهم وإنسانيتهم فنسوا أن هناك عقاباً ربانياً وهناك حساباً وآخرة وأن هناك وناراً تنتظرهم وأن الله من الممكن أن يعفو عن تقصيرهم في واجباتهم الدينية، لكن محال أن يعفو ويسقط إجرامهم بحق عباده!

وكما يقول الشيخ وسيم يوسف وهو يقتطف لنا حكم سورة الكهف: لا تظن إن غفلت أو نمت عن سنن الكون أن الله غافل عن خصمك، خصمك يخطط للمكيدة لك ويحاربك في شرع الله، لكن الله يقول لك من كان مع الله ومن كان يود إرضاء ربه ويسير على منهجية أفعل ما أملاه علي الله فلا يضرك من قذفك أو شتمك ومن كرهك لأنك أنت تفعل ما طلبه الله منك وخصمك عصى الله فيك أنت! فأرح قلبك واجعل سنن الله تمضي بك فأسلحة الله لا تعد ولا تحصى، فأهل الكهف انتصروا دون أن ينشغلوا بخصومهم وهم يتقلبون في فراشهم مرتاحين، فأسأل الله دائماً طمأنينة أهل الكهف فإن كنت مع الله وغافل عن أعدائك فالله له أسلحته لنصرك!