الرأي

رمضان.. والأمل

هل هي صدفة أن تجتمع ذكرى انتصار العاشر من رمضان وذكرى نكبة يونيو في شهر رمضان الحالي؟ لقد أعادني هذا التساؤل إلى مرابع الطفولة الأولى حين كنت أتراكض مع أقراني في الحقول الخضراء المترامية ومنها حقول نبات عباد الشمس، حيث كثيراً ما كنت أتأمل هذه الزهور العجيبة التي كانت تتابع برؤوسها أشعة الشمس حتى ولو امتلأت السماء بالغيوم! أكانت أحلامنا كمثابرة هذه الزهرة المتيمة بالنور حتى إذا ما أفل القرص الذهبي ساعة المغيب قضينا ليلنا بانتظار الأمل الجديد في الفجر الوليد! إنه الأمل الذي ظل يكبر معنا -ولايزال- وهو نفسه الذي جعل أبناء مصر ينهضون من نكبة الخامس من يونيو كطائر الفينق الأسطوري من وسط النار يضمدون جراحهم -وجراح العرب جميعاً- ثم يلقنون الصهاينة وأربابهم درساً عظيماً لايزال يدرس في الأكاديميات العسكرية باعتباره انتصاراً فريداً في آثاره ودلالاته وعلى رأسها أنه أعاد العزة والكرامة المهدورة في نكبة يونيو الغابرة برغم محاولات التهوين والتشويه!

إن انتصار العاشر من رمضان هو زهرة الأمل التي أينعت -ولاتزال- في قلب كل مصري وعربي، وهي الكابوس الذي لاتزال عصابات الصهاينة ترتعد منه حتى اليوم فتوغل إجراماً وقتلاً وترويعاً للشعب الفلسطيني الأعزل! فكيف تحقق هذا النصر العظيم؟

لقد كنت محظوظاً أن رافقت أبطال هذه الملحمة عقب انتهاء الحرب مباشرة حيث كانت درجة استعداد الجيش في أقصاها، وكان معظم من خاض المعارك لم يغادر الخدمة بعد، وكان هؤلاء الجنود على درجة عالية من الانضباط وجلهم من المتعلمين، وخاصة أرباب المؤهلات العليا، فكان هناك المهندس والمحامي والمدرس والمحاسب وغيرهم يتناوبون -وأنا أحدهم- خدمة السلاح بكل رضا وفخر ومحبة للوطن، فالجميع حينها كان يؤدي ضريبة الدم في فخر.

وكانت ذكريات الحرب -بحلوها ومرها- لاتزال ماثلة طازجة وكان أجمل ما فيها قصص البطولة النادرة كصيد دبابات العدو وتدمير تحصيناته، وروح الفداء والتضحية بين الجنود، والمنافسة بينهم للمهام الصعبة والخاصة، لكن أطرف هذه القصص تعلق بجبن الجنود الصهاينة وفزعهم ورعبهم حين الالتحام بالجندي المصري أو حين الأسر! فرغم ما كان يروج عن هؤلاء عقب هزيمة يونيو إلا أن انتصار العاشر من رمضان العظيم لم يسقط خط برليف فقط بل هدم أسطورة الجندي والجيش الذي لا يقهر إلى الأبد، وهو ما عرفناه وخبرته الأيام في الحروب اللاحقة مع الكيان الغاصب!

وأعود إلى شجرة الأمل وعناقيدها برغم طيب الذكرى في استرجاع الأيام التي قضيتها مع هؤلاء الأبطال، فلولا أن الأمل في النصر ظل أخضر يانعاً، ولم يتسرب اليأس والقنوط إلى قلوب القادة في حينه ثم اجتماع كلمتهم على ضرورة الثأر وإعادة الحق وتلافي أسباب الهزيمة الأولى لما كان هذا النصر المؤزر، فالأمل والإيمان والعلم والعقل والوحدة هي عناصر النصر الذي يحق لنا أن نستلهم روحه اليوم وفي هذا الشهر الكريم، ولا نجتر أبداً روح اليأس والفرقة والهزيمة التي يراد لنا أن نسير في دربها حتى يتم نحرنا دولة إثر أخرى، إنه الأمل الذي تحفل به ثقافتنا وديننا وشعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج، فنحن نمتلك الكثير الذي يجعلنا قادرين على مواجهة الخصوم بالعلم والعقل والإيمان ووحدة الكلمة، ومن ثم تجاوز كل الصعاب التي تواجهنا اليوم!

وأخيراً أتذكر عبارة كتبتها بسيقان القمح الذهبية وعلقتها في غرفتي الصغيرة في ذلك الزمن البعيد ونصها:

«إن إشراقة الأمل تبدد ظلمات اليأس وتخلق المعجزات».

ورمضان شهر الأمل.. وبه تقرأ هكذا أحداث!