الرأي

التطرف وغياب الإحصاءات المساهمة في العلاج

رؤى


عُرِفنا في الوطن العربي -مع الأسف الشديد- بأننا مجتمعات لا تقوم بتوثيق حاضرها فضلاً عن البحث في المستقبل، فبعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة لا تُرصَد وليست هنالك من إحصاءات دقيقة وعلمية ممنهجة ترشدنا لبعض الأرقام المهمة للكثير من القضايا الحساسة في المجتمع، وحين تختفي الأرقام الخاصة بهذه الظواهر المجتمعية المشبوهة فإننا بذلك نراكم المشكلة لتتحول إلى أزمة ضاربة في العمق وبالتالي يصعب حلها.
فلو أخذنا على سبيل المثال مشكلة مهمة جداً نعيشها في عالمنا العربي اليوم وهي تأثر الشباب العربي بالأفكار المتطرفة والمنحرفة فيحق لنا حينها أن نتساءل ونقول، هل هناك من إحصاءات تؤكد لنا ماهية هذا الموضوع؟ وهل هنالك من أرقام حقيقية وعلمية توضح لنا من أين بدأت المشكلة وكيف وما هي حقيقة الأرقام ودقتها؟ بطبيعة الحال لا توجد لدينا مثل هذه الدراسات المهمة والتي يجب أن تكون صادرة من مراكز للدراسات الاستراتيجية والعلمية ووفق منهج علمي دقيق وواضح، فغياب مثل هذه الكشوفات التي ترصد تنامي ظاهرة مجتمعية خطيرة يعني أننا غير مهتمين بمعالجتها أو أننا نقوم بمعالجتها حسب المزاج الشعبي والرسمي دون الاهتمام بحرفية المعالجة التي تتطلب مساندة واضحة من مراكز الدراسات والبحوث العلمية المساعدة والمساهمة في بناء العلاج اللازم لكل مشكلة تخص المجتمع وأفراده، فمسألة خطيرة كمسألة انجرار شبابنا العربي لمحارق ومعارك الإرهاب وتأثرهم القوي والمباشر بالأفكار المتطرفة دون وجود غطاء علمي ممنهج يسمح لنا بمتابعة هذه الأزمة الخطيرة التي ربما تعصف بدولنا وتفتك بمجتمعاتنا في القريب العاجل سيلحق الكثير من الضرر والأذى بالحاضر فضلاً عن المستقبل. إذا لم نتدارك هذه الأزمة بوضع تصورات وحلول قوية بناء على معطيات وقواعد معلوماتية تزودنا بها مراكز الدراسات في دولنا العربية فإننا سنفاقم مثل هذه الظاهرة التي تستحق منا الكثير من العمل الجاد والمضني لملاحقة كل انحراف فكري لدى شبابنا لحمايتهم من الانجراف نحو عوالم الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله ومستوياته.
هذه المسؤولية وبالدرجة الأولى تقع على عاتق الحكومات العربية ومؤسساتها الرسمية ومن ثم تتحملها منظمات المجتمع المدني ومعها مراكز الدراسات الاستراتيجية والعلمية والبحثية -إن وجدت- فغياب مثل هذه الإحصاءات والدراسات الموضوعية يضعنا في مأزق حين نريد أن نتحقق من أمر حاصل بالفعل لأننا بكل بساطة نفتقر لأبسط مقومات العلاج ألا وهو «الرقم الصحيح»، وسيكون غياب مثل هذه الأرقام الدقيقة لمثل هذه الظواهر الخطيرة كارثة حقيقية ومدعاة لانتفاء العلاج الناجع لظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف والتي تعتبر أخطر ما يهدد بلدان العالم، فالحماس والانفعالات العاطفية لا تعالج مشكلة بحجم أزمة الإرهاب وانتماءات الشباب إلى بؤره. فلا مناص عن وجود مراكز للدراسات العلمية في هذا الإطار تدعم جهود محاربة الإرهاب إذا أردنا معالجة هذه الظاهرة المقلقة. «للحديث بقية».