الرأي

لنحاربهم بنفس سلاحهم

اتجــاهـــات



أبدأ مقالي هذا من حيث انتهت إليه أختي الأستاذة سوسن الشاعر في مقالها يوم أمس عن «سلاحنا المقيد»، والتي وضعت فيه يدها على الجرح بشأن دور الإعلام فيما يتعلق بـ«إدارة الأزمات» أو التعامل مع أحداث مهمة يتفاعل معها الناس بسرعة خرافية في يومنا هذا، بسبب وجود وسائل التواصل الاجتماعي.
أثني على كلام أم بسام وأزيد عليه بالتذكير فيما حصل خلال محاولة الانقلاب الآثمة قبل خمس سنوات، وكيف أن الفضاء الإعلامي كان هو الساحة التي تدار فيها الحرب على البحرين.
في تلك الفترة كانت هناك جبهة مواجهة لكل ذلك، تلفزيوننا الرسمي خرج من قالبه الرسمي وتحول لمنبر قوي يصد فيه الهجمات الإعلامية، ويعري فيها الأكاذيب ويفند الفبركات، بل كشف أقنعة الخونة، وكانت بالفعل نبضاً للناس، إلى درجة أن الجماعات الانقلابية كانت تصرخ بل تئن مطالبة بأن يحجم صوت تلفزيوننا الرسمي.
إلى جانب ذلك كانت هناك موجة وطنية قوية تحصل في وسائل التواصل الاجتماعي تتصدى للحرب المستعرة في هذا الفضاء، وكان صوت المخلصين الوطنيين مسموعاً، وشهدنا حراكاً غير اعتيادي ومؤثر من خلال القروبات التي أنشئت، ومن بعض الحسابات التي حشدت لها متابعين بالآلاف، وكان الكل حينها يعمل من أجل البحرين بوطنية وإخلاص ويتحلق حولها، والأهم كانت المعلومات موجودة ومتوفرة من خلال عمليات تنسيق ذكية، إذ حينها نحن في حالة حرب صريحة، وهو الأمر الذي جمع كل المخلصين في كفة واحدة، ما أربك صفوف الانقلابيين وحتى إعلامهم المضلل الكاذب.
اليوم الناس تقارن الوضع بشأن أي قضية مهمة وحساسة تطرأ بذاك الوقت الذي كان فيه الحراك الإعلامي مستعراً لا يتوقف، الناس تريد الحصول على المعلومات بنفس الأسلوب الذي عاشته وشفى غليها بشأن الوصول للحقيقة.
ورغم إدراكنا لحساسية بعض الملفات، مثل حادثة جو الأخيرة، وفهمنا الكبير بأن هناك أموراً تفضل الأجهزة المعنية أن يتم التعامل معها وفق إطار السرية، لأن الكشف عن تفاصيلها وتشعباتها يمكن أن يؤثر على بعض التحركات، لكن أقول كما قالت أم بسام، إن الساحة لا يجب أن تترك هكذا ليستغلها الطرف المعادي ويوجهها كيفما يريد، ويؤثر بذلك على المزاج العام للشارع الوطني، بحيث يجعله ينسى أساس الموضوع، وأن هناك ضلوعاً إيرانياً في المسألة، وأن هناك تحركاً إرهابياً لخونة الداخل، ويركز طاقته في لوم ونقد الجهات المسؤولة.
نحتاج للاستفادة من الطاقات الوطنية الإعلامية التي برزت في تلك الأزمة، نحتاج ألا نكتفي فقط بشاشة رسمية واحدة، بل نحتاج لقنوات تواصل مع الناس توصل لهم المعلومات، وتطمئنهم على سير الأمور، والأهم «تلمهم» و«تجمعهم» وتدفعهم لـ«التحلق» حول الوطن.
كما قلت قبل يومين، لدينا الثقة في أجهزتنا المعنية، بالأخص الجهاز الأمني، والذي بناء عليه يتحرك الجهاز الإعلامي، باعتبار أن الأخير لا يمكنه التحرك بارتجالية في موضوع أمني بهذا المستوى، فالأمن كأولوية يأتي قبل أي شيء، قبل السبق الصحافي أو الإخباري، لذلك نقدر هذا الموقف الحساس.
لكن من أجل المخلصين من أبناء هذا الوطن، لا بد وأن نفكر ببدائل إعلامية ذكية، تجعل صوت البحرين مسموعاً، وأتحدث هنا عن الصوت الوطني، تجعل الحقائق والمعلومات التي يمكن نشرها متاحة، أو حتى بعض المعلومات التي يصعب وضعها في شكل رسمي.
متأكد حتى النخاع من أن كل المواطنين المخلصين يريدون في حادثة جو أن تنتهي بالقبض على المجرمين الهاربين، والتوصل لمن وراء العملية وتقديمهم للعدالة، وهي مسألة أعتقد أنها تحصل حالياً لكن بهدوء وتروٍّ دون الكشف عن أية أوراق، وحتى تكتمل أطراف المسألة كلها، وهي آلية تعاملت بها وزارة الداخلية مرات ومرات سابقة، عبر الكشف عن ضبط خلايا إرهابية، أو شحنات أسلحة مهربة، وأوكار إعداد متفجرات، كلها تمت بهدوء، وفي النهاية أعلنت للجمهور.
لكن مع ذلك، نحتاج لتقوية صوتنا الإعلامي وحراكنا في هذا الاتجاه، ليس الهدف أن نستهدف أحداً مثلما تفعل إيران بجوقة قنواتها المأجورة، لكن بهدف تشكيل جيش إعلامي وطني يدافع عن وطنه بقوة وتنظيم وتنسيق، ويرد على كل حاقد سواء من الخارج أو الداخل، وما أكثرهم.
الخلاصة، لنحاربهم بنفس سلاحهم.