الرأي

شعب في أتون التيه

قطرة وقت



من البيانات المثيرة التي يتم تداولها عن «الجمهورية الإيرانية» أن 13 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر وأن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 27% وأن عدد مدمني المخدرات ارتفع إلى 2 مليون إيراني، أما المفارقة فتكمن في المعلومة الرابعة التي يتم تداولها وملخصها أن إيران تصرف على مغامراتها التوسعية في الخارج أكثر من 22 مليار دولار سنوياً. وهذا يعني باختصار أن إيران تصرف على تلك المغامرات دم شبابها وحياتهم وأنها بدل أن توجد لهم وظائف يكسبون من خلالها أرزاقهم ويعيشون بكرامة تصرف الأموال التي هي من حقهم على مغامرات خارجية لا تعود عليها إلا بالأذى وتزيد من أعداد مواطنيها الذين يعيشون تحت خط الفقر ومن أعداد مدمني المخدرات.
لكن المؤسف بالنسبة للحكومة الإيرانية ليس هذا، المؤسف بالنسبة لها هو عدم تمكنها من نفي هذه المعلومات وتوفير بيانات تدحضها وتقنع العالم بصحتها. ففي كل يوم يصدم العالم بمعلومات جديدة تؤكد تلك البيانات وغيرها، ولعل آخرها -وليس أخيرها- الخبر الذي انتشر بتفاصيل ومدعم بالصور التي تؤكد صحته عن وجود نحو 50 فقيراً ومدمناً إيرانياً ينامون في قبور داخل مقبرة شهريار غرب طهران، الأمر الذي تسبب في موجة سخط كبيرة بين الإيرانيين ما دفع أحد المشهورين من الفنانين الإيرانيين إلى رفع رسالة مفتوحة شديدة اللهجة إلى الرئيس حسن روحاني عبر من خلالها عن شعوره بالخزي من تلك الصور وذلك الأمر، وشاركه آخرون هذا الإحساس وهذا الغضب.
يكفي فقراء إيران ومدمنوها وشبابها الذي يعاني من البطالة أن تخصص الحكومة الإيرانية نصف المبلغ الذي تصرفه على مغامراتها في الخارج لينتقلوا من حال إلى حال ويذوقوا شيئاً من طعم الحياة الذي فقده كثير من الإيرانيين في العقود الأربعة الأخيرة، فما يتم صرفه سنوياً على تلك المغامرات الفاشلة والمسيئة لراية الإسلام التي ترفعها يمكن أن يرتقي بالشعب الإيراني ويتحول إلى شعب منتج ومشارك في المسيرة الإنسانية بإيجابية.
الحل الذي اعتمدته الحكومة في إيران فيما يخص سكنى القبور هو أنها أخرجتهم منها بالقوة، والأكيد أنها حاسبت وسائل الإعلام التي أظهرت الخبر وعاقبت المصورين وكل من كتب في هذا الموضوع من الإيرانيين أو تحدث، معتقدة أنها بهذا قد حلت المشكلة وحلت معها كل مشكلات الشعب الإيراني الذي يزداد فقراً وإدماناً على المخدرات ويزداد تيهاً عاماً بعد عام، لهذا فإنها لن تتوقف عن مواصلة تلك المغامرات بل لعلها تزيد منها كلما تسلمت دفعة جديدة من أموال الاتفاق النووي أو لو ألغى الرئيس الأمريكي الجديد ذلك الاتفاق واعتبره وكأنه لم يكن.
أن يعيش كل هذا العدد من الشعب الإيراني تحت خط الفقر ظلم تمارسه الحكومة الإيرانية يؤكد بعدها عن الشعارات التي ترفعها، وأن يعاني كل هذا العدد من الشباب الإيراني من البطالة ظلم آخر تمارسه تلك الحكومة، وأن يتحول هذا العدد من الإيرانيين إلى مدمني مخدرات ظلم ثالث تمارسه، أما الظلم الأكبر فهو قيامها بانتزاع اللقمة من أفواه شعبها وصرف أمواله على مغامرات لا تكسب من ورائها سوى الأذى والسمعة السيئة ومزيد من التخلف.
إن الأولى بالاستفادة من شعارات «الانتصار للمظلومين» التي ترفعها الحكومة الإيرانية بغية توفير مبرر يتيح لها التدخل في شؤون الآخرين هو الشعب الإيراني الذي يعاني من ظلم كبير وتم تحويله إلى أدوات يتم استغلالها لتحقيق مآرب المسيطرين على السلطة في إيران، فمن يسعى إلى نصرة المظلومين في العالم عليه أولاً أن ينتصر لشعبه الذي وقع عليه الظلم بسببه، وليس أكثر ظلماً من إنتاج تلك الأرقام المخيفة ورمي الشباب الإيراني في أتون التيه.