الرأي

قاتل يسلم للعدالة

قاتل يسلم للعدالة


أيام «اللول» ذلك الزمن الجميل الذي كانت القلوب فيه نظيفة، خيرة، نقية وطاهرة كان الشخص «النمام، نقال الحجي» الذي يطلق عليه عادة «بخور السكة» ومؤلف الشائعات يتجنبه معظم الناس بل كانوا يعزلونه عن لقاءاتهم وتجمعاتهم.
إذا ما وقعت «هوشة» شجار في الحي كان العرف بين الناس وقتها عدم المرور بالقرب من مكان الشجار أو الحدث الحاصل وتجنب النظر أو بيان أنهم علموا أو نظروا لما يحدث حتى لا يتسببوا بالإحراج لمن يتشاجرون وأهلهم، كانوا يغضون النظر إذا ما شاهدوا اثنين يتشاجران كما كانوا يتجنبون المرور قرب المنزل الذي يسمعون أن بداخله مشكلة بين زوجين وما شابه ويسدون آذانهم عن «القيل والقال»، وحتى لو يعلمون كانوا يدعون أنهم لا يعلمون ولم يشاهدوا شيئاً، إلا أولئك الفضوليين وكانوا قلة في ذلك الوقت ومعروفين، كان الرجل عندما يرى نسوة يتشاجرن يقوم من المكان ويغيره ولا يتكلم أبداً وكان السائد بين رجال ذلك الوقت أن الرجل الناقص هو من يهتم لسوالف الحريم أو يتكلم بها وينقلها!!
هذه هي أخلاق مجتمعنا الأصيل المستمدة من الإسلام في الانشغال بالنفس وترك ما لا يعنينا، اليوم عندما نتأمل حال مجتمعنا البحريني نشعر بالغربة، بالألم ونحن نرى أخلاق مجتمعنا وقد تغيرت ولم يعد الناس كما كانوا وتربوا ونشؤوا، بل أصبح هناك عرف غريب وهو أن الشخص الفضولي الذي يتكلم عن أخبار الناس بل ويزينها بالشائعات ويوجد عليها النكهات التي تعكس الأمراض النفسية المخزنة بداخله تكون له وجاهة ويهتم الناس بأن يكونوا قريبين منه وعلى تواصل معه حتى يكون جسراً يشبع فضولهم عن الأشخاص المراد تتبع أخبارهم !! والله إننا لا ندري أين نبدأ وأين ننتهي مع كل هذه الفوضى الأخلاقية التي نراها اليوم والتي أخذت تتفاقم وتصل لحد المشاكل الكبيرة والخطيرة في مجتمعنا، فهل أحد يتخيل أن يأتي زمن نرى فيه امرأة مقتولة بداخل سيارتها ويهرع الناس وفيهم رجال لتصويرها بالهاتف ومن ثم التحول إلى معلق أو مراسل للحدث مع الطعن في سمعتها والتشهير فيها وإرسال كل ذلك بكل برود على الهاتف دون التفكر ولو لدقائق في شعور أهلها أو ابنها الذي معها بالسيارة؟ هل معقول أن الضمير الإنساني بات معدوماً لدى بعض الناس لهذه الدرجة؟
الجريمة التي وقعت في منطقة الرفاع مؤلمة جداً لكن الأكثر إيلاماً ما رأيناه من تصرفات غير مسؤولة من الناس وهم يجتهدون في أن يكونوا «أبوالعريف» فيتناقلون القصص ويروجون للشائعات دون أدنى إحساس بالمسؤولية!
يسألنا أحدهم: ما قصة البنت، بالطبع إنكم في الصحافة تعرفون حقيقة القصة؟ فنرد عليه: لنفترض أننا نعرفها لكن هناك أخلاقيات المهنة. هل من الأخلاق والأدب أن تتكلموا في أعراض الناس دون مراعاة مشاعر عائلاتهم؟ هل نحن مسلمون بالاسم أم ماذا؟
كتاب الله عز وجل يقول «والفتنة أشد من القتل»، أي أن جرم الفتنة أشد بكثير من جرم القتل في موازين الأعمال فهل تفقه البعض الذين يطلقون الشائعات ويروجونها بل يعيدون إرسالها فور تلقيها على هواتفهم أن ما يقومون به أشد بكثير من جرم القاتل نفسه؟ هل هم مستعدون لملاقاة الله كي يحاسبهم عن هذا الجرم الفظيع جداً؟
هذه الفوضى الأخلاقية يجب أن يحسمها القانون ومن بعدها الجهات المعنية، لا بد أن يتم القبض على كل من نشر صور كلا الطرفين، القتيلة والقاتل، في هذه الجريمة من قبل قسم الجرائم الإلكترونية بوزارة الداخلية وأول شخص نشر الشائعات واختلق القصص عنهما مع تغليظ العقوبة عليه فهم أصحاب فتنة وقتلة بطريقة أخرى حتى يكونوا عبرة لمن لا يعتبر، وحتى يتوقف هذا السلوك المشين الذي يقتل أخلاق مجتمعنا ومشاعر العائلات فوق معاناة فقدان أبنائهم والسيرة الحسنة لهم في المجتمع ومن ثم يأتي دور رجال الدين ووسائل الإعلام في إطلاق حملات توعوية عن هذه الظاهرة التي أخذت تتزايد في مجتمعنا البحريني وبيان مخاطرها وأبعادها المدمرة وثقل موازينها في الدنيا والآخرة.
* إحساس عابر:
لا ندري لماذا بعض الصحف لدينا مصرة على مخاطبة العقل الباطن لقرائها والتعمد بإدراج اسم منطقة الجريمة في القضية بشكل مستفز وبتركيز مريب مع التصرف في المسميات، كما لا ندري لماذا البعض يحاول تسويق أجندته السياسية والإرهابية واستغلال مثل هذه الجرائم في تسييسها وطأفنتها وتأليب الناس على الدولة بل وتشويه سمعة البحرين خارجياً؟ نثق بالقضاء البحريني ونزاهته وندرك أنه الفيصل في هذه القضية.