الرأي

جيل «Chicken Nuggets»

إشراقة


جاء اليوم العالمي للغة العربية في جو من الخوف بأن يطول لغة الضاد ما طال لغات أخرى، حينما اندثرت وأصبحت في عداد الموتى، ولم يبق لها أثر إلا على صفحات كتب التاريخ، وما موت واندثار اللغات إلا لضعف اهتمام أصحابها بها، فاللغة تصبح لها أهميتها عندما تكون هي لغة العمل أو لغة العلم أو لغة الكتب السماوية. واللغة تشكل جزءاً من هوية الأمم وثوابتها لذا نجد أن الأمم تحافظ على لغتها وتعتز بها وتنشرها وتدرسها، فالحفاظ عليها حفاظ على هوية الأمة.
فمنذ بدء الخليقة ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر مخلوقاته، بأن علمه أسماء مخلوقات الكون وجعل البشر يتواصلون مع بعضهم البعض بعدة وسائل وطرق من أهمها اللغات، وتطورت اللغات منذ نشأة الكون ما بين لغة الإشارة والجسد إلى لغات متعددة نظراً لإعمار بنى آدم الأرض، وتأثر كل مجموعة بالبيئة المحيطة بها، فاختلاف اللغات كان سمة من سمات الحضارات المختلفة التي أقامها الإنسان على أرجاء المعمورة.
وتطل علينا الألفية الثالثة بعوامل شتى، منها العولمة وسطوة الدراما العالمية لكي تحدث طفرة أخرى في لغات البشر، فهذه سنة الحياة، ولكن يقاوم البعض التغيير من منطلق الغيرة على تراثهم وحضارتهم التي تميزهم، وتقع مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية على عاتق الأجيال إذ لم تنج اللغة العربية من شوائب في عصرهم، والتي تثير حفيظة جيل الآباء تجاه الأبناء نظراً لأهميتها، فهي لغة القرآن الذي جاء بمعجزة في وقت كان العرب في أوج اهتمامها بلغتهم في ذلك العصر الذي ظهر فيه فطاحل الشعر الأوائل.
وكم نفخر أننا أهل لغة الضاد تلك اللغة العريقة، لغة آخر الكتب السماوية، فجاء خاتم الرسل بمعجزة مازال يكتشف آثارها حتى وقتنا الحالي، وما أسلم العديد من علماء الغرب إلا تأثراً بما أثبته القرآن منذ 14 قرناً، وقد كانت الأجيال المتعاقبة تدرك بحق قيمة لغتنا الجميلة والتي حرك الشعر والنثر فيها خيال الشعراء، وقد ترك لنا الأجداد ثروة كبيرة من فنون اللغة وآدابها في الشعر والأدب والنثر وغيرها، ومع تعاقب الأجيال ظهر العديد من فطاحل الشعر الذين يتبارون بإجادتهم للغة ويضيفون لهذه الثروة إنتاج يفخر به كل جيل، فتظهر مصطلحات وكلمات جديدة وفق كل عصر من علوم وفنون.
إلا أننا نقف اليوم أمام جيل، يطلق عليه، جيل «Chicken Nuggets»، يتحدث بلغة غريبة لا تنتمي للغة العربية ولا الإنجليزية، فعندما تستمع لهم تحتار بأية لغة هم يتكلمون، فلا هم يتقنون اللغة العربية لترقى لأن تكون هي لغتهم الأم، ولا هم يتقنون اللغة الإنجليزية لترقى لتكون لغتهم الأساسية، فكم وجدنا شباباً يطربون لاستخدامهم لهجة اللغة الإنجليزية في كلمات عربية للي ألسنتهم ليس إلا! عجبي!!!
ونجد أنفسنا نقف أمام سؤال محير، من السبب؟ مهلاً شبابنا الأعزاء لستم أنتم الملامون فقط بل يقع جزء كبير من اللوم على الآباء والمربين، فتركوكم للعولمة تغزوكم دون أن يكون لكم الحافز الذي يغنيكم عن هذا التخبط، ولكن يجب أن تنتبهوا حتى لا تصبحوا أشباهاً فيجب أن تتمسكوا بحضارتكم وأن تعيدوا بناءها.
كما تشير أصابع الاتهام للمدارس الخاصة فمنذ التسعينات بدؤوا يدرسون جميع المواد الدراسية باللغة الإنجليزية من رياضيات وتاريخ وغيرها باللغة الإنجليزية، فأصبحت تطغى عليهم حتى في مخاطباتهم وحواراتهم خارج الفصل الدراسي، حتى خسروا أهم عنصر من ثوابت الأمة وهويتها وهي اللغة.
وضج أهل الفكر والرأي بالغيرة فأطلقوا المبادرات التي استجابت لها وزارة التربية والتعليم بكل اهتمام، ففرضت تدريس بعض المواد الدراسية التي تعزز الهوية الوطنية لدى طلبة المدارس الخاصة وأطلقت مسابقات الشعر والأدب وغيرها، إلا أن الهوية التي حدثت لجيل تسببت بصدع من الصعب ردأه، وزاد بعد شباب كثيرين عن اللغة العربية فلم تعد المدارس الخاصة هي المتهم الوحيد بل وأضيف لقفص الاتهام متهمون آخرون، فالشباب يلجؤون لوسائل التواصل الإلكتروني ووسائل الإعلام التي تستخدم اللغة الإنجليزية أكثر من العربية ذلك لأنها تقدم المعلومات بطريقة أفضل، حتى صارت أسماء المحلات التجارية ذات الطابع الغربي أكثر رغبة وتبعتها أسماء البضائع، وأخيراً الأطباق في المطاعم، حتى أصبحت غالبية العبارات التي يستخدمها الشباب في حديثهم هي اللغة الإنجليزية، والأهم من هذا كله اعتزازهم بأن اللغة الإنجليزية تطغى على لغتهم ذلك الاعتزاز هو ما يقلقنا ويجعلنا نقرع جرس الإنذار.
وختاماً، لا نملك أن نغير واقعانا بأن تكون اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والعمل، ولكن تكمن المشكلة عندما تكون هي لغة التواصل الاجتماعي ولغة الحياة تلك مشكلة يجب أن تتصدى لها وتوجد لها الحلول، ولعل هناك بعض المبادرات والبرامج التي تسهم في تعميق الاعتزاز باللغة العربية لدى الشباب وأبرزها مبادرة «التحدي العربي للقراءة»، ومنافسات شاعر المليون التي أثبتت للعرب أن هناك خلفاء لأمير الشعراء وإننا نتطلع لمزيد من تفاعل الشباب مع مثل هذه المبادرات ومزيد من الاهتمام بهذه المبادرات وتطويرها ومزيداً من البرامج التي تنمي تذوق الشباب للغة والاستمتاع بها، ولن أزيد عما قاله الشاعر الكبير حافظ إبراهيم في قصيدته:
أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة
وكم عز أقوام بعز اللغات