الرأي

زمن الشائعات

إشراقة


كان يا ما كان، في قريب الزمان، كان أقوام يتحرجون من نقل الخبر قبل أن يتأكدوا من صحته، وكان من ينقل الأحاديث والأخبار والروايات دون التأكد من صحتها يوصم بـ»ناقل الشائعة»، فالإسلام حثنا على التثبت والتبين في نقل الأخبار، وأن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أية شائعة يسمعها، قال الله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، كما نهى رسولنا الكريم أتباعه عن أن يطلقوا الكلام على عواهنه، ويلغوا عقولهم عند كل شائعة، وحذرهم من تناقلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع».
وتغير الزمان وجاء أقوام آخرون، لا يتورعون عن نقل الشائعات بلمسة من أصبعهم على شاشة الهاتف النقال، دون أن يفكروا في مضمون المعلومات والأخبار التي قد تحمل في طياتها أكاذيب، بل ترى أحدهم يستسلم لها وينقاد لها وكأنها من المسلمات، بل وأصبح البعض يتلذذ بنقل الشائعات، وقد يضيفون إليها بعض التفصيلات الجديدة، وقد يتحمسون لما يرونه ويدافعون عنه بحيث لا يدعون السامع يتشكك في صدق ما يقولون.
ويختار من يطلق شرارة الشائعة موضوعاً ذا أهمية وغموض لدى الأفراد القابلين لتصديقها والمتفاعلين معها حتى تنتشر في المجتمع، وتنتشر الشائعة في وقتنا الراهن بسرعة هائلة بفعل تواجد وسائل التواصل الاجتماعي، فما هي إلا لمسة لشاشة الهاتف ويتم نقل الشائعة.
للأسف لم يسلم منحى من مناحي الحياة من إطلاق الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتتنوع أشكال الشائعات وتختلف نوعياتها الزمانية والمكانية والموسمية، على أن يكون الخبر يهم شريحة كبيرة من المجتمع، مثل تعطيل المدارس في الظروف الاستثنائية وقد ينتشر في الدولة خلال أقل من عشر دقائق.
ولإثارة الشائعات أهداف ومآرب، حيث تتنوع هذه الأهداف تماشياً مع مبتغى مثيريها، فمنها ما هو اقتصادي أو يكون خلفه أهداف سياسية، وتهدف هذه الشائعات إلى التسبب في «ربكة» في الطرف المعني بالشائعة، وهناك أصحاب الفكر غير السوي في العديد من المجتمعات، وهؤلاء يتعمدون إثارة الفتنة وفك اللحمة بين أفراد مجتمعاتهم بترويجهم الشائعات والمعلومات المغلوطة. وهناك شائعات بغرض اللعب واللهو بمشاعر الآخرين، والشائعات التي تقوم على هذا المبدأ عادة ما تحوم حول المشاهير كوفاة ممثل أو حدوث حادث للاعب أو طلاق أو زواج لمطربين وغيره من الشائعات، وهناك الشائعات التي يصنعها المجتمع بنفسه خصوصاً للأمور المترقب حدوثها، وذلك بكثرة ترديدها فتخلق الشائعة شيئاً فشيئاً.
ولم تسلم الأحاديث النبوية من التلفيق والأكاذيب، وتناسي عقاب ما يروج لها في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، فنجد مؤخراً انتشاراً مريباً للأحاديث الضعيفة بل والمكذوبة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تقف على النقل بل تحوي تحذيرات تهدد وتتوعد المتلقي إن امتنع أو تكاسل عن نشرها، وتلك المحفزات العجيبة التي تدفع العوام لنشرها بغية الأجر العظيم والصدقة الجارية.
ووراء نشر هذه الأحاديث المغلوطة أيادٍ تستغل بساطة العوام الذين تأخذهم العاطفة فيصدقون كل حديث ابتداء بـ»قال رسول الله»، ثم تنتشر لدرجة ربما تجعل واضعها يصدقها.
ويجب علينا جميعاً أفراداً وجماعات وأسراً ومؤسسات، أن نتفكر في عواقب الشائعة، وأن نتوخى الحذر والتثبت قبل نقل أي خبر أو معلومة أو رواية بنشرها بمواقع التواصل الاجتماعي لكي لا نكتب عند الله من الفاسقين والكاذبين، فبنقلنا للشائعات نرتكب ذنوباً عظيمة، تعد من كبائر الذنوب.
وختاماً، إن الشائعات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي أحد أمراض المجتمعات المعاصرة التي تؤثر على حاضر ومستقبل هذه الأمة، فالشائعات لها خطر عظيم وشر كبير، فكم دمرت من مجتمعات وهدمت من أسر، وفرقت بين أحبة، وكم أهدرت من أموال، وضيعت من أوقات، ولذا يجب مواجهتها بكل قوة باعتبار أن هذه المواجهة تؤمن المجتمع وتمنع عنه الأخطار.