الرأي

«صكونه عين»..!!

اتجــاهـــات


أتذكر قبل سنوات قليلة، ولعل كثيراً منكم صادفته مثل هذه المواقف، من يزور البحرين من إخواننا الخليجيين كانوا يقولون لنا «أنتم منظمون بطريقة غير طبيعية»!
طبعاً كانوا يقصدون أولاً طريقة تنظيم الشوارع والطرقات، وأخلاقيات السائق البحريني، ناهيكم عن مساعدتهم لكل من يسأل عن الاتجاهات، وضعوا عليها أطباع الإنسان البحريني المتسم بالطيبة والتسامح وكرم الضيافة حتى في عز احتياجه.
كلامهم كان يمر علينا مرور الكرام، لأنه يحكي عن واقع نعرفه تماماً، فطيبة الإنسان البحريني يتحدث عنها القاصي والداني، وأخلاقياتهم وكرم ضيافتهم من السمات المتأصلة فيهم، بل حينما تصادف شخصاً بخلاف هذه الصفات، تشك فيه، بل نقولها بشكل عفوي «أكيد أنت مب بحريني»؟!
لكن بيت القصيد هنا هو الحديث عن الشوارع وأخلاقيات السائقين، فنعم كنا مضرب الأمثال في تنظيم حركة المرور، بل نظام البحرين يعد من أقدم الأنظمة في الخليج، وهنا لا نبالغ إن قلنا بأننا «كنا محسودين» على ذلك. لكن للأسف دوام الحال من المحال، وكأن العملية فيها «عين» وأصابتنا، فتغيرت أمور كثيرة، وصلت لتغير الأخلاقيات حتى.
اليوم شوارعنا يضرب بها المثل في «الازدحام الشديد» والذي يوصلك لحالة «هيستيرية» جراء طول الانتظار، بل يقول لي شخص «والله أحس أن أغلب البحرينيين يعانون من الضغط والأعصاب بسبب الشوارع». وهنا لو عدنا للإحصائيات التي يعلن عنها بشكل دوري، سنرى أن عدد السيارات زاد بشكل كبير، وباتت بعض البيوت من فرط السيارات التي تقف أمامها غير تلك الواقفة داخل المرآب تجعلك تظن بأن هذه البيوت «معارض» لبيع السيارات.
ومع هذا الازدياد في المركبات، تمضي عملية تكبير الشوارع بوتيرة قد تكون لا تتناسب مع حجم الزيادة، إضافة إلى أن عمليات تكبير الشوارع وبناء الكوبريات وإزالة الدوارات وإبدالها بإشارات أو غيرها، كلها عمليات تأخذ وقتاً وبعضها يطول ويتعطل، والنتيجة أن حالة الضغط العصبي على الناس تزيد. لكن رغم الجهود المبذولة، فإن الفرد نفسه يتحمل مسؤولية تجاه ما يحصل، وهو الأمر الذي يقودنا للقول بأن حتى أخلاقياتنا في السياقة اختلفت وتغيرت عما كانت عليه سابقاً. اليوم هناك تهور في القيادة، هناك سرعات جنونية لا تقتصر على الشباب وتهورهم، بل حتى كبار السن، ترى الناس في الشارع يقودون وكأنهم في سباق «فورمولا واحد»، بينما دراسات تقول إن الفارق الذي تكسبه من زيادة السرعة لا يتعدى ثواني، بالتالي لأجل ثوانٍ معدودة يمكنك أن تخاطر بحياتك وحياة الآخرين.
هناك ممارسات خاطئة تحصل عند مناطق باتت شهيرة بازدحاماتها، عند منعطفات معينة على الشوارع السريعة مثل المنعطف الذي يحول مسارك من شارع الشيخ خليفة بن سلمان باتجاه شارع عين عذاري أو باتجاه مدينة عيسى، هنا تحصل حالات هرج ومرج، سيارات تدخل على المسارات، وسيارات تعبر خارج الخط الأصفر على يمينك، وشارع رئيس واسع يتعطل لأن هناك من لا يريد الانتظار في المسار، بل ينعطف على الجميع من أقصى اليسار لأقصى اليمين.
مثل هذه الممارسات لا تنعكس على الفرد نفسه فقط، بل يتطبع بها كثير من الشباب الذين يراقبون هذه الأفعال ويحاكونها، ويظنون بأنهم فوق القانون.
أسهل ما نقوم به لوم الجهات المعنية، نلوم إدارة المرور، نلوم رجال المرور، ودائماً ما يقول الناس إن وجدت زحمة في مكان ما، إنه لا بد وأن يكون وجود رجل المرور سبباً في ذلك، رغم أن وجوده عامل رئيس لتنظيم السير.
المشكلة فينا نحن وليست في من يحاول أن يقوم بعمله ويطبق النظام، إذ لو كل شخص حرص على الالتزام بالنظام لسارت الأمور بشكل صحيح وسلس، لكن لأن الأخلاقيات تغيرت، ولأن الطيبة والتسامح في عملية القيادة التي يفترض أن تكون «فناً وذوقاً وأخلاقاً» حلت محلها صفات سيئة مثل تجاوز القانون وعدم السماح للآخرين بالمرور وعدم الالتزام بالقواعد، فإن عمليات الازدحام تزيد، وعدد الحوادث يتعاظم.
لذا إن كنا سنطالب الجهات المعنية بأن تحل لنا الإشكاليات الحاصلة، علينا أن نبدأ من أنفسنا في عملية الإصلاح، علينا أن نتقيد نحن بالقانون، وأن نتعاون معهم لأقصى حدود، فاليد الواحدة لا تصفق. يبدو واضحاً بأن «عيناً أصابتنا» وغيرت من أخلاقياتنا، أقولها مجازاً، لأن الملتزم بمبادئه والحريص على الالتزام بالقانون لا يغيره أي شيء.
* اتجاه معاكس:
حينما نقول بأن الأخلاقيات تغيرت، فإننا نتحدث من واقع، ففي السابق لو أوقفك أي زائر بسيارته وسألك عن الاتجاهات، سيقوم البعض عادة إما بتوصيف الطريق له، وفي حالات متقدمة تقول له اتبعني وتوصله للمكان. لكن اليوم قد «يبتلش» من يسألك عن الاتجاهات، خاصة من قبل بعض البشر الذين يرون في هذه المسألة «تسلية» وفرصة «لبهدلة الناس».
يقول لي أحدهم، سألني زائر خليجي وقف بجانبي في الإشارة عن الطريق للجسر، فوصفت له الطريق بحيث يصل إلى الصخير!
هذه ليست أخلاقياتنا، فعودوا لأخلاقياتنا الأصلية التي كانت تعكس «المعدن الذهبي» للبحريني.