الرأي

مصر بين حقائق القوة التاريخية والسياسية وبين التحديات الراهنة

مصر بين حقائق القوة التاريخية والسياسية وبين التحديات الراهنة




ورد عنها في الأثر «مصر كنانة الله في أرضه ما افترى عليها عدو إلا أهلكه الله»، وقال عنها الله في سفر أشعياء 25 الإصحاح التاسع عشر «مبارك شعبي مصر»، وفي القرآن «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، «سورة يوسف: الآية 99». وقال عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم «استوصوا بقبط مصر خيراً»، وحكم فيها بالعدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما شكا إليه ابن أحد الأقباط اضطهاد ابن الصحابي عمرو بن العاص أول حاكم من المسلمين لها، قائلاً له في غرور «أنا ابن الأكرمين». ولكن القبطي ابن مصر الأصيل يدرك طبيعة الإسلام الذي من أهم مبادئه العدل، كما يدرك أن الخليفة عمر بن الخطاب أشد المسلمين حرصاً على العدل، فذهب إليه وأنصفه وطلب منه معاقبة ابن عمرو بن العاص قائلاً له «اضرب ابن الأكرمين»، إعمالاً لقول النبي الكريم «إنما هلك من كان قبلكم من الأمم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها». هذا هو الإسلام، وهذه هي العدالة، وهذا هو الشعب المصري منذ أقدم العصور، يرفض الخضوع للذل ويلجأ إلى أعلى سلطة لإقامة العدل، والقصة المشهورة في عهد الفراعنة باسم الفلاح الفصيح خير دليل.
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدينية المحيطة بمصر صعبة للغاية ولكنها ليست بجديدة فقد عرفتها قبل الأديان السماوية وبعدها وفي العصور المتعددة، ولكنه سرعان ما كانت تخرج من عنق الزجاجة وتتغلب على المؤامرات والتحديات في مختلف مراحل تاريخها وتعود بقوة مجدداً، وهذا من سمات الحضارة المصرية وشعبها، وهي القدرة على الصمود والتجدد. وهو ما يستدعي الإشارة إلى أهم سمات هوية المصري وألخصها في سبع، الأولى، التواضع والتسامح، والثانية، الاعتزاز بمصريته، والثالثة، الإيمان العميق بوطنه، والرابعة، الشهامة والنخوة، ولذا يبادر بمد يد العون لأخيه المصري والأفريقي والعربي والمسلم، وهي شهامة صادقة تتجلى في الأزمات، منذ عهد الفراعنة حتى يومنا هذا، والخامسة، عدم المباهاة الكاذبة بخلاف ما يذهب إليه بعض الشعراء في الفخر مثل قول أحدهم:
أنـا ابـن جـلا وطلاع الثنـايا
متى أضـع العمامـة تعرفوني
وقول آخر
إذا بلغ الفطام لنا رضيعا
تخر له الجبابرة ساجدينا
المصري قليل الافتخار، ولكن لديه اعتزاز هادئ بنفسه وبوطنه وبعروبته وبأفريقيته وبإسلامه، والسادسة، أن لديه إيماناً فطرياً بالدين منذ أيام الفراعنة، وازداد الإيمان عمقاً بالمسيحية والإسلام في اعتدالهما وتسامحهما تجاه الآخر. ولهذا جاء في الإنجيل «إذ ضربك أخاك على خدك الأيسر فادر له خدك الأيمن»، وآيات كثيرة في القرآن تتعلق بالعفو والصفح عند المقدرة، مثل قوله تعالى: «فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم»، «سورة النور: الآية 22»، والسابعة، الإتقان والجدية في العمل عند مواجهة التحدي.
والخلاصة، إن المصري صاحب حضارة فخور بها وبنفسه ولكن دون غرور أو تعال بل بتواضع يسيء البعض فهمه أحياناً كما يسيء فهم صبر المصري بأنه خنوع أو خضوع، وهذا ما تجلى في تصور الإسرائيليين بعد هزيمة يونيو 1967، بأن قوة مصر انتهت فجاءت حرب أكتوبر «رمضان المبارك» لتؤكد قوة مصر الكامنة وقدرات جيشها الذي قال عنه النبي محمد عليه السلام «إنهم خير أجناد الأرض».
مصر في هذه المرحلة تواجه تحديات داخلية وإقليمية وخارجية وهذا ليس شيئاً جديداً في تاريخ الشعوب، فالحياة كر وفر، قوة وضعف، ومن حكمة الله أن يجعل حياة الإنسان والشعوب سجالاً، ولكن الشعوب غير الحضارية تتصور أن الفقر يدوم أو أن الغنى يدوم، بينما القرآن يقول «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، «سورة آل عمران: الآية 61».
إن أخطر تحديات مصر اليوم هي الفهم الخاطئ لبعض أبنائها لطبيعتها لجهلهم بجوهر الدين والتاريخ الذي يقوم على حب الوطن. لذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
لنازعتني إليه في الخلد نفسي
فمن لا يؤمنون بأوطانهم لديهم نقص في عقيدتهم. وشتان بين مصري عميق الإيمان مخلص لوطنه وآخر يعمل من أجل تخريبها ودمارها. تلك سمات المصري الأصيل، وهي نواقص المصري غير الواعي الذي ينطبق عليه قول الله تعالي «وتحبون المال حباً جماً»، «سورة الفجر: الآية 21»، وفي القرآن الحكمة البالغة بقوله «إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين»، «سورة القصص: الآية 76». المصري صادق الإيمان بالوطن وبالعروبة وبأفريقيته أنه باني الحضارة ويبتسم أحياناً عندما يسمع من يدعون أنهم شيدوا حضارة مصر أو مثلها. وهل بعد ذلك من جهالة؟!
* خبير في الدراسات الاستراتيجية الدولية