الرأي

لا عزاء للمحترفين

إشراقة




إن كلمة «موهوب» تعني الأشخاص ذوي القدرات المتميزة في الفنون والموسيقى والرياضة وغيرها، وهي نعمة وهبها لهم الخالق سبحانه وتعالى، وهذه الموهبة تنمو وتتطور إذا ما أحيطت بالرعاية والاهتمام، وتصل بالموهوب إلى مستوى الاحتراف، ولذا أما آن لنا أن نغير نظرتنا لمستقبل الموهوبين من أبنائنا. فإننا أحياناً نئد الموهبة ونقتلها.. نعم فليس لدينا القدرة على تنمية الموهبة لكي نصل بها إلى الاحتراف.. فكم من الآباء يلومون أولادهم على ممارسة هواياتهم سواء كانت رياضية أو موسيقية أو حتى تخيلية، فلولا الحلم ما كان الواقع. وقد يكون الآباء معذورون لأن الاحتراف في هواية ما قد لا يسمن من جوع، وكم من محترف ضاع لأنه لم يتم توفير العيش الكريم له. فنحن نتعامل مع الموهبة على أنها هواية وليست احتراف، مع أن بلادنا تزخر بالعديد من المواهب سواء في المجالات العلمية أو الرياضية وحتى الفنية ولكم في مخرجينا وممثلينا الذين يملؤون الفضاء الخليجي أسوة.
إن الموهوبين في كثير من المجتمعات ثروة مهملة وغير مستثمرة وبالرغم من قدرات الموهبين إلا أنهم يواجهون في مجتمعاتنا عدداً من المشكلات والتحديات لغياب الدعم خاصة المالي، وعلى النقيض نجد أن بعض المجتمعات تؤمن بأن القوى البشرية الموهوبة المؤهلة تربوياً وأكاديمياً وفنياً هي أساس النهضة والتميز في عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية والفنية وتستطيع أن تصل بهم إلى الاحتراف ويكون لها مكان في التمثيل الدولي. إن استثمار طاقة الموهبين ضرورة حضارية، خاصة في مواجهة تحديات التنافس الثقافي والتسابق الحضاري بين المجتمعات.
إن الدعم المادي لهذه الفئة هو مفتاح الاستثمار للوصول بها إلى الاحتراف والقدرة على التمثيل الدولي، فالاحتراف ليس مجرد شعار وفكرة بل هو «مشروع وطني» يجب أن تتضافر فيه جهود مختلف القطاعات المختصة والقطاع الخاص على غرار ما هو متبع في العديد من الدول المتقدمة، والتي تبحث عن الموهوبين في سن صغيرة، وتخصص لهم مدارس تعليمية وفي نفس الوقت أخرى تأهيلية لموهبتهم، فمثلاً نجد مدارس للبالية ومدارس للموسيقى وأخرى للرياضة وغيرها وهذه المدارس المتخصصة تعني بتقديم خدمات الرعاية الشاملة للطلبة الموهوبين في جميع المراحل التعليمية ومنْ مختلف المواهب الأدائية، المهارية والأكاديمية، وبذلك تكون هذه المدارس رفد للمجتمع بالكوادر الموهوبة، والمبدعة التي من شأنها أن تعزز ثقافة الابتكار والإنتاجية، للمساهمة في نهوض الدولة وجعلها في مصاف الدول المتقدمة في مختلف المجالات الحيوية.
وتقدم هذه المدارس المختصة الخدمات النوعية الشاملة للطلبة الموهوبين ومن ثم يتم تصفية هؤلاء الموهبين من خلال المسابقات والمنافسة ليتم اختيار الصفوة منهم لينضموا إلى المنتخبات الدولية وتتكفل الدولة بتوفير العيش الكريم لهم ويتم وضعهم ضمن كادر وظيفي تابع للدولة وبذلك يصبحون قادرين على التمثيل الدولي.
ولا يقع عائق الدعم المادي على الدولة فقط، فإن الشركات الخاصة يجب أن يكون لها دور في دعم المبدعين والمشاركة في تمويلهم كما يحدث في الدول الأخرى، ولنا في الولايات المتحدة الأمريكية أسوة فنجد دوري المدارس والجامعات محترف، يتم رعايته من كبرى الشركات ويقدم للرياضيين المنح الدراسية والمادية التي تساعده على ثقل موهبتهم وتنافس بهم الأمم في المحافل الرياضية لتحرز الميداليات، وكذلك في المجالات الفنية والتي تشكل قوة أمريكا الناعمة التي تغزو بها العالم أجمع من خلال مبدعيها في الموسيقى والسينما وحتى الرسوم المتحركة التي أصبحت تغزو كل بيت.
وعلى العكس نجد في مجتمعات أخرى موهوبين قادرين على التمثيل الدولي المحترف، يعانون من عدم القدرة المادية لمواصلة إنجازاتهم، ويتوقفون نتيجة ما يواجهونه من مشاكل في مجال عملهم الذي لا يسمح له بأخذ إجازة مدفوعة الأجر، وربما يتم تحويله في بعض الحالات للتحقيق للغياب، وربما يصل الأمر حد الفصل، مع أنه لو تم استثمار هذا المحترف في الترويج للشركة والبيئة الفاعلة والتقيد بالنظرة الإيجابية لهذا المحترف لعاد على الشركة وكان أكثر نفعاً لها ولنفسه.
وختاماً، لإنجاح عملية إعداد المحترفين يجب الاستعانة بالمختصين لرسم سياسة متكاملة وشاملة تعني بالموهوبين منذ الصغر، تستند إلى المقومات الفعلية والمنطقية في تطوير أسس وأساليب تدريب الموهوبين وبناء مدارس ومؤسسات ذات مواصفات عالمية، تلبي طموحات المحترفين والمدربين، ووضع آلية لتنظيم عملية الاحتراف بما يكفل الحفاظ على مستوى المحترف وتطور ذلك نحو الأحسن ويجب أن يتم تأمين مستواهم المعيشي وضمان ذلك بعد اعتزالهم.