الرأي

النظام الدولي المريض

نظــــــرات


قد يكون مفاجئاً للعالم إقرار قانون «جاستا» الأمريكي المثير للجدل، لكن هذه الخطوة ما هي إلا بداية لخطوات سابقة وأخرى مقبلة جميعها تتجه نحو مسار واحد وهو زيادة الفوضى في العلاقات الدولية.
كانت التوقعات خلال فترة الحرب الباردة «1945 ـ 1991» تشير إلى أن العلاقات الدولية ستكون أكثر استقراراً في مرحلة ما بعد تلك الحقبة المهمة من التاريخ المعاصر. لكن ما حدث ويحدث الآن مغاير تماماً لتلك التوقعات، فالنظام الدولي الذي انفردت به الولايات المتحدة أوشك على النهاية، ونمر الآن ببداية مرحلة جديدة للنظام الدولي نفسه، مرحلة لن تكون القطبية فيها متعددة، بل ستكون مرحلة مغايرة عن المراحل السابقة في النظام الدولي لأنها تعتمد على الفوضى ونهاية سيادات الدولة.
الفوضى في العلاقات كانت نظرية وصارت الآن سياسة واضحة ومتبعة، وتحررت الفوضى من الإطار النظري لتصبح واقعاً عملياً يمكن مشاهدة مخرجاتها في منطقة الشرق الأوسط. والمسألة ليست واقعية فحسب، بل صارت الفوضى ممأسسة، هناك مؤسسات وطنية وإقليمية ودولية تساهم في مأسسة الفوضى لتصل إلى درجة الفوضى المستقرة، وهي التي تكوّن بيئة مبتكرة للصراع الدولي.
الفوضى العالمية صارت في العلاقات الإقليمية والدولية، وانتهى مفهوم التحالفات وتحول إلى الشراكات القائمة على مصالح مؤقتة مرحلياً. لذلك ليس غريباً أن تكون سمة الفوضى هي الطاغية في النظام الدولي اليوم، وليس غريباً أن تظهر قوانين جديدة تقضي على سيادات الدول، وليس غريباً أن تكون الهياكل الدولية لحفظ الأمن والسلم الدوليين غير فاعلة لأنها مجرد أدوات لتنفيذ أجندات ومصالح بعض الفاعلين الدوليين.
ليس لدينا قانون دولي بحاجة إلى إصلاح، وليس لدينا قانون أمريكي مثل «جاستا» بحاجة إلى إصلاح، وليس لدينا الأمم المتحدة بحاجة إلى إصلاح، وليس لدينا مجلس الأمن بحاجة إلى إصلاح. لدينا نظام دولي مريض بحاجة إلى إصلاح كلي، وهي حال لم تعتد عليها الدول، وإن ظهرت ملامحها فإنها تظهر عادة قبل الحروب الكونية.
العالم فشل في حماية نفسه، والأمم المتحدة أخفقت في تحقيق أهدافها رغم محاولاتها الجادة. من هنا فإن الفوضى العالمية التي نعيشها اليوم هي بداية مرحلة جديدة في النظام الدولي لا نعرف ما سماته، وما القوى الدولية المؤثرة فيه، والفاعلين الدوليين المحتملين.
ذلك توصيف موجز لحال النظام الدولي المريض، وهو حال معقد ومن الصعوبة بمكان تحليل أبعاده، أو بحث مساراته المستقبلية، لكن ذلك لا يمنع ما تبقى من الدول العربية أن تبحث الفرص والتحديات المقبلة إذا أرادت البقاء.