الرأي

«كل مشروك مبروك»

إشراقة



الأمثال بحور متجددة من التجربة والحكمة، وحين نجلس قرب أجدادنا يسلب لبنا ما نسمع من نصائح تلبس لباس الأمثال فنكون لقبول النصح أكثر انصياعاً لأن هذه الأمثال تحمل في طياتها عبرة ودلالات على الكثير من المواقف التي نمر بها في حياتنا. وهنا أتذكر جدتي عندما كانت تردد مثلاً شهيراً لدينا في الخليج وهو «كل مشروك مبروك»، فكانت تدعونا إلى أن نتشارك في كل شيء، نتقاسم الطعام، نتشارك في العيش في غرفة واحدة، نتبادل المشغولات الذهبية، وحين سألتها: «لماذا تصرين على أن نتشارك؟»، قالت: «نحن نؤمن أن البركة في الرزق لا تأتي إلا بالمشاركة».
وعندما تأملت حالنا اليوم وجدت أن هناك تغيراً جذرياً في المجتمع فغابت عنه كثير من القيم والعادات والصفات الحميدة التي يتميز بها المجتمع العربي والبحريني، فكان في السابق جيران الحي «بمثابة أفراد من العائلة» تربطهم المودة والعشرة والمشاركة، تجدهم بجانبك في السراء والضراء، في المناسبات المفرحة يساعدون بعضهم بعضاً بكل إخلاص وتفان، تجدهم كذلك مساندين لبعضهم في المناسبات الحزينة كالوفاة أو المرض، وكان أبناء الحي الواحد يقضون أوقات فراغهم في الألعاب الجماعية ويتشاركون في ألعابهم ونجد أن الطفل لا يفرح إلا بمشاركة أبناء الجيران لألعابه.
أما الآن، فقد اختطفت كتلة المجتمع السلبي عاداتنا وتقاليدنا النبيلة لكي تسيطر علينا عادات غريبة ليست أصيلة، وباتت المصلحة الشخصية هي الاهتمام والشغل الشاغل لغالبية المجتمع دون النظر لحق الغير، ولم يعد للإيثار والفزعة لمساعدة الغير والإخلاص، نفس الصدى في نفوس السواد، إلا من رحم ربي، فأصبحنا نشعر أن العولمة ومواقع التواصل الاجتماعي قد اختطفت العديد من قيمنا التي فشلنا في الحفاظ عليها.
وهذا التغير الاجتماعي الذي أصاب الحياة الاجتماعية بأكملها وما صاحبه من ظهور وتنوع وتعدد في الاهتمامات الشخصية، وصل إلى إطار الأسرة، حيث نجد أحياناً أفراد الأسرة الواحدة في منزل واحد ولكن كل واحد منهم يعيش عالمه الخاص به، من خلال اتصاله بآخرين عبر شبكات الإنترنت، وأصبح لكل فرد داخل الأسرة خصوصيته، وأصبح هناك صعوبة للتعايش بين الإخوان، فلكل منهم غرفته الخاصة وأغراضه وأسراره التي يرفض أن يطلع عليها غيره من أفراد الأسرة، وغابت لمة أفراد الأسرة على مائدة طعام واحدة، لتناول الغداء أو العشاء، تتبادل خلالها الأسرة الأخبار والحديث الأسري الدافئ.
ربما يكون هذا الخلل في الأسرة ناتجاً عن الرغبة في تكوين علاقات خارج نطاق الأسرة، تشترك في نفس الاهتمامات والميول والرغبات نتيجة الانفتاح الكبيرعلى العالم الخارجي، من خلال وسائل الاتصال الحديثة «الإنترنت»، ولم يستطع مجتمعنا استيعابه مما أحدث خللاً في بناء المجتمع.
إن الاهتمام بالأسرة هو الحل الأول، فهي الخلية الأولية التي يبنى عليها باقي المجتمع، فرغم مشاغل الحياة ووحشة توفير لقمة العيش يجب أن يوفر الآباء البيئة المناسبة للاندماج بين الإخوة، وترشيد استخدام الشبكة العنكبوتية التي اختطفت الوقت والأذهان، ومن ثم ترشيد استخدامها لكي تتناسب مع عاداتنا حتى لا تندثر، وتأتي المشاركة الجماعية في التعاون والتواصل مما يؤدي إلى روح الجماعة، فاستكشاف العالم ممكن أن يكون معاً لكي نرى الآخر ونحلله لأبنائنا، كي يعرفوا الغث من السمين وألا نتركهم عرضة لقيم غريبة عنا تفترس عقولهم.
وثقافة العزوف عن المشاركة والرغبة في التفرد أصبحت سلوكاً ملازماً للفرد في سلوكه في جميع المجالات، ولم يقتصر على سلوكه داخل الأسرة، بل تعدى ذلك إلى سلوكه في عمله، فقد انتشرت الأنانية وساد فيه مصطلح الفردية والانغماس في الذات وغابت الفكرة الجماعية، ولم يعد أحدهم يتقبل أن يشارك زميله المعلومات المتوفرة لديه أو المشاركة في تنفيذ مشروع ما، بل أصبح الجميع يميل للعمل الفردي، وذلك حرصاً على الحفاظ على حقوقه، وبذلك فقدنا المتعة بالعمل ضمن فريق، ففقدنا المتعة في العطاء، حتى كاد الفرد أن يعيش وسط أسرته، وهو يشعر بالوحدة، يعيش في وطنه، ويشعر بالغربة.