الرأي

منتدى «قدوة».. نافذة إلى المستقبل

نبضات


كأي مواطن خليجي، بت أحمل هواجس لا حصر لها حول مستقبل المنطقة، وما يواجهها من تحديات بالغة الصعوبة، وأرقب بتوجس مصير معاش المواطن في مرحلة أصبح فيها تخفيض الإنفاق وتقويض الميزانيات العامة للدولة ورواتب المواطنين ضرورة حتمية لا مناص منها، وبينما كنت كذلك، حملني منتدى «قدوة» للمعلمين على أجنحة الحلم، وفتح لي، ولكثير من المراقبين نافذة إلى المستقبل، ذلك المنتدى الذي أقيم نهاية الأسبوع الماضي تحت رعاية ولي عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد، وجعلنا لا نقلق كثيراً بشأن مستقبل الخليج العربي وأمنه الاقتصادي، فعندما أصبحت سوق النفط الخليجية مهددة بالتدهور، فتح سمو الشيخ محمد بن زايد أبواب اقتصاد المعرفة على مصراعيها، معلناً أن يوماً ما سيأتي للاحتفال بآخر برميل نفط سيتم تصديره بدلاً من ندب الحظ والعويل على نفاد الفرصة، وفي هذا السياق أطلق وزير التربية الإماراتي في كلمته الافتتاحية بالمنتدى مشروع «المدرسة الإماراتية» الحلم الرائد، الذي نستشرف من تحقيقه قفزة نوعية لا مثيل لها في مستوى التعليم في المنطقة، بما يجعل منها أنموذجاً جديراً بأن يحتذى به، خصوصاً في ظل الإشارة للاستفادة من جهود أساتذة الجامعات المتقاعدين للعمل في المدرسة بما يلبي احتياجات التخصصات الحديثة، وهو ما يدعو للوقوف ملياً على أهمية الاستثمار في الإنسان عندما لا تملك الدول أية ضمانات أخرى لاستقرار ونماء دخلها القومي.
لقد استعرض المنتدى التجربة الفنلندية التي ركزت على أهمية ضمان كفاءة المعلمين وتدريبهم، وعلى تأهيل معلمين يؤمنون بأهمية البحث العلمي والاستناد إليه في أداء مهمتهم، فضلاً عن ضرورة البعد عن التعليم التلقيني والنزوع إلى التعليم الملهم للطلبة. وكنا في وقت سابق نردد بإعجاب وحسرة النموذج الياباني، ونردد قصة قصيرة جاء في نصها «سُئل رئيس وزراء اليابان عن سر التطور التكنولوجي باليابان، فأجاب: أعطينا المعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي وإجلال الإمبراطور!»، وأعتقد أن هذا تحديداً ما تعمل كثير من الدول في الفترة الأخيرة على تنفيذه بأساليبها المختلفة، ومنها سنغافورة، والتي يمكن تلخيص تجربتها بكلمة لمؤسس الدولة لي كوان جاء فيها «أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه في الشوارع». ولعل من الكلمة الأخيرة نستلهم رسالتنا للدولة في إعادة النظر لميزانية الأعوام المقبلة لوزارة التربية والتعليم تحديداً، ونصيب المعلمين والعملية التعليمية منها، وتخفيض الإنفاق في الترف الذي تمارسه بقية الوزارات بما لا يفضي لنتائج حقيقية في خدمة مستقبل الدولة. إن الجهود التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم – للأمانة – جبارة جداً، غير أن معوق التمويل وتعزيز الثقة في المعلم والاعتناء بنوعية تعليم الطالب على مستوى نوعي مغاير يتطلب ميزانيات أكبر قبل الجهود، وحسب متابعتي الحثيثة لنشاطات صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان ال خليفة رئيس الوزراء الموقر، ورؤيته لمستقبل المملكة، فلا شك في أن سموه قد وجه أنظاره منذ سنوات للإنسان، المواطن البحريني، والذي لن يتم الارتقاء به إلاّ من خلال تحقيق قفزة جديدة تراهن على اقتصاديات المعرفة كما فعلت الإمارات ودول غيرها. وإن اهتمام وزير التربية والتعليم بهكذا منتدى ينم عن حرص الدولة العام على العمل بجد وتفانٍ، في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم، وهو ما نتطلع إليه جميعاً.
* اختلاج النبض:
شكراً بلا انتهاء لسعادة وزير التربية والتعليم د. ماجد بن علي النعيمي الذي غمرني بثقته الكريمة لأكون ضمن فريقه، ولأحظى بشرف مرافقته في منتدى «قدوة» للمعلمين بأبوظبي.