الرأي

ومازالوا يتساءلون بغباء: «لماذا يكرهوننا»؟!

اتجــاهـــات


بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي ضربت الولايات المتحدة طرح الأمريكان أكبر وأهم سؤال تم تداوله على مستوى العالم، ونصه «لماذا يكرهوننا؟!».
العالم بأسره دولاً وشعوباً حاولت منح الأمريكان «الإجابة» على هذا التساؤل، اليابانيون ردوا ببساطة وقالوا: «يضربون البلدان بالقنابل الذرية ويستغربون لماذا يكرههم الناس؟!».
وكثير من الإجابات المتشابهة أوردها عديد من الناس، وعديد من المقالات كتبت في محاولة لـ «إفهام» الأمريكان لماذا «يكرههم» العالم، مع التوضيح الدقيق للشعب الأمريكي بأن «الكراهية» هذه لا توجه للشعب الأمريكي المعروف عنه طيبته وبساطته، لكنها موجهة لـ «القرارات السوداء» التي تصدر عن «البيت الأبيض».
بعد الاعتداءات الإرهابية شن جورج بوش هجوماً على المسلمين بشكل صريح، وقال كلمته الشهيرة «إن لم تكن معنا فأنت ضدنا»، ونفذ «غزواً» للعراق وأفغانستان بحجج واهية، الأولى «غزاها» بدعوى تطهيرها من «أسلحة الدمار الشامل» التي أثبت التاريخ بأنها لم يكن لها وجود إطلاقاً، والثانية بحجة البحث عن عناصر «طالبان» و»القاعدة».
وبسبب هذه السياسة برزت ممارسات عنصرية صريحة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تستهدف المسلمين، وأصبحت معاملة الزائرين لها في المنافذ والمطارات من أسوأ التجارب التي يمكن أن تمر على الإنسان، وتم «الزج» بكل من يشتبه به في معتقل «غوانتنامو» الشهير بأساليب التعذيب المبتكرة فيه، دون محاكمة عادلة ولا تحقيق.
ورغم كل هذا «الإيغال» في استعداء الشعوب والدول، مازال الأمريكان يتساءلون بسذاجة «لماذا يكرهوننا»؟!
الإدارة الأمريكية بأطقمها المتعاقبة على البيت الأبيض، تعرف تماماً لماذا «كراهية» الشعوب لها تزيد وتستمر، تدرك تماماً الأسباب، وتعرف أن خطواتها التي تتخذها لا يمكن لها بأي حال من الأحوال دفع الشعوب والبلدان لـ «التعاطف معها».
لذلك نقول إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت العالم وبطريقة «فطرية» للتعاطف مع الولايات المتحدة الأمريكية جراء ما أصابها، لكن ما فعلته أمريكا من بعدها واستمر إلى يومنا هذا من استغلال لهذه الأحداث، جعل الناس تفقد هذا التعاطف، وتصل لمرحلة تقول فيها إن سياسة أمريكا العدائية بالأخص «الخفية» منها غير الظاهرة، هي التي جعلت كثيراً من الأطراف سواء معتدلة أو راديكالية تستهدفها، إما بالقول والانتقاد، أو بالوصول للمستوى المتقدم عبر القيام بأعمال إرهابية مثلما فعلت «القاعدة».
اليوم الولايات المتحدة تمنح العالم بأسره أسباباً أكثر لكراهيتها ومناصبتها العداء، وقانون «جاستا» ليس سوى إجراء آخر يضاف لإجراءات عديدة اتخذتها الإدارة الأمريكية سواء أكانت صادرة من «البيت الأبيض» أو «الكونجرس» تدفع الدول لاتخاذ موقف الضد من واشنطن.
لم يحصل في تاريخ العالم الحديث أن سعت دولة تستند على كونها القوة العسكرية الأولى لإقرار قانون يمنح ليس سياسييها فقط بل حتى أبسط مواطنيها الحق في التدخل في سيادة الدول الأخرى، والتجرؤ على مقاضاة أنظمتها.
أمريكا فعلتها ضاربة بكل الأعراف الدبلوماسية واتفاقيات التعاون عرض الحائط.
لذلك ليس غريباً اليوم أن يكون هناك شبه إجماع دولي على «التكتل» لمناهضة هذه المحاولات «الساقطة» لاستهداف الدول.
اليوم السعودية وتركيا تتعاونان بقوة في سبيل توحيد الدول والشعوب ضد حملة «البلطجة الأمريكية»، ودول شرق آسيا تحركت بشكل ملحوظ، اليابان والصين تكلمتا بصراحة، وقبل يومين خلال قمة حوار التعاون الآسيوي في تايلند تحدث سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله عن ضرورة وجود «تعاون آسيوي» يقف في وجه القوانين التي تحاول أن تنال من «الحصانة السيادية» للدول.
الولايات المتحدة الأمريكية من خلال «قانون جاستا» أسقطت آخر ورقة من أوراق التوت عن وجهها الحقيقي، كلنا نعرف أن وجهها الذي تطالعنا به في إطار الدبلوماسية وتعزيز العلاقات هو «وجه زائف»، وأن الشعار الأمريكي الأثير يظل «مصلحة دائمة لا صداقة دائمة»، بالتالي قانونهم يقدم لكم حقيقتهم دون أية مساحيق تجميل.