الرأي

التحديات الأمنية المستقبلية.. الطائفية

نظــــــرات



الطائفية قناعة تقوم على التعنت والتعصب المطلق لمكوّن ديني أو إثني، وهو ما يسيطر على سلوك الإنسان فيبني تصرفاته، ونمط حياته، ومصالحه، ومصيره، ومستقبله، دون أي اكتراث للمصلحة العامة أو المصلحة الوطنية.تلك هي لوثة الطائفية التي عانت منها البحرين وبلغت ذروتها مطلع خمسينات القرن العشرين في أقسى صراع داخلي تشهده البلاد خلال القرن الماضي. والآن عادت مجدداً منذ العام 2003 لتصل ذروتها من جديد في القرن الحالي في العام 2011.
الطائفية مرض سياسي واجتماعي ينبغي محاربته، وتصاعد النزعات الطائفية في الدولة يؤدي إلى تفككها تدريجياً وإضعافها، حيث تتصارع المصالح الضيقة، ويتحول الصراع الطائفي من ظاهرة كامنة إلى ظاهرة معلنة يمكن متابعتها عبر مختلف وسائل الإعلام، خصوصاً شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا أخطر تحدٍّ داخلي يمكن أن تشهده الدولة ويؤثر على أمنها الوطني.
كيف يمكن معالجة الطائفية؟
نفذت في أوقات عدة سلسلة من حملات العلاقات العامة الرسمية والشعبية، وكان الهدف منها تخفيف حدة الاحتقان الطائفي، والحد من النزعات الطائفية. كلها أفكار إيجابية، لكن لا يمكن أن تحقق الهدف المحدد من ورائها أبداً.
مواجهة تحدي الطائفية تحتاج إلى سياسة عامة في الدولة، وإلى اعترافات صريحة قبلها، وهي اعترافات تتطلب جرأة غير معهودة من كافة مكونات المجتمع، تلك الجرأة ستساهم في إفراغ المنطلقات الطائفية من قبل كل مكوّن للمكوّن الآخر، وهو استماع متبادل يؤدي إلى فهم مشترك. بعدها تعد السياسة العامة التي لا يمكن أن تتوقف خلال سنة أو 4 سنوات، بل يجب أن تستهدف تكوين جيل بحريني جديد.
قد يكون من المؤلم جداً القول إنه من الصعوبة بمكان إفراغ القيم الطائفية من البحرينيين الراشدين حالياً لظروف التاريخ ومماحكات السياسة التي عانت منها البلاد منذ الاستقلال. لكنها ليست مشكلة بحد ذاتها، فنحن نتحدث عن الدولة البحرينية، وكيفية وقايتها من تحدي الطائفية. لذلك يجب أن يتم العمل على تكوين جيل جديد من البحرينيين الذين يمكن وصفهم بأنهم مواطنو ما بعد الطائفية، وهؤلاء ما نتطلع أن يكون عليه أجيال البحرين المقبلة.
السياسة العامة المطلوبة ليست مسؤولية الحكومة التي يمكن أن تتولى وضعها بالتعاون مع الشركاء، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من استهداف رياض الأطفال، والمناهج التعليمية من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية، وتشمل الخطاب الديني، وعلاقات رجال الدين بالأفراد، وارتباطات رجال الدين بالخارج، إلى الخطاب الإعلامي، والقائمة تطول لأننا نستهدف بناء ثقافة سياسية جديدة لم يسبق أن تم العمل على تنفيذها من قبل، لأن التعويل دائماً ما يتم على طبيعة مكونات الشعب وعوامل الجغرافيا السياسية للبحرين التي تضمن سيادة ثقافة إيجابية تقوم على التعايش.