الرأي

كيف يتعايش الخليجيون؟

نظــــــرات




يشكل الوافدون الشريحة الأكبر من سكان دول مجلس التعاون الخليجي، وهو خلل برز تدريجياً منذ مرحلة التحول الاقتصادي التي شهدتها هذه الدول في سبعينات القرن العشرين. مما فرض تنوعاً اجتماعياً وثقافياً كبيراً في هذه المجتمعات، فصار هناك الاختلاف الديني، والاختلاف المذهبي، والاختلاف الإثنو ـ طائفي.. إلخ.
مواطنو دول مجلس التعاون لم يكونوا في مرحلة تاريخية من الشعوب المنغلقة على ذاتها، وتلك التي لا ترحب بالأجنبي، بل هي صفة متجذرة في الثقافة العربية الإسلامية. لكن بسبب التحولات التي تعيشها المجتمعات الخليجية ظهرت الجماعات السياسية، والتدخلات الخارجية، إضافة إلى المؤثرات الإعلامية المختلفة لتشكل قناعات ثقافية جديدة.
من هنا جاءت مسألة التعايش في المجتمعات باعتبارها مسألة هامة لها ارتباط مباشر بالأمن الوطني، فكلما كانت مكونات المجتمع قادرة على التعايش كلما تمكن المجتمع نفسه من الحفاظ على تماسكه، وضمن أمنه واستقراره.
لا توجد برامج رسمية واضحة لتكوين ثقافة خليجية قائمة على التعايش، وبالتالي تخضع مكونات المجتمع للتكوين الثقافي الذاتي، حيث يمكنها أن تكوّن ثقافتها بنفسها، وقد تختلف قناعاتها واتجاهاتها تجاه التعايش مع الآخر باختلاف الظروف وتبدل المعطيات.
أجرى معهد «غالوب» الأمريكي قبل عدة سنوات دراسة مسحية لقياس القدرة على التعايش في المجتمعات الخليجية، وتوصل إلى نتائج هامة بيّنت أن نسبة التعايش في هذه المجتمعات تتراوح بين 18 ـ 39%. وأكدت تلك الدراسة أن قدرة البحرينيين على التعايش هي الأعلى وتصل إلى 39%، وتتطابق مع المعدل العربي للتعايش.
رغم هذه النتائج، إلا أنه يمكن القول إن معدل التعايش الخليجي مازال متواضعاً، وقد يكون هناك اختلاف كبير الآن في هذا المعدل في ظل غياب الدراسات الدقيقة.
لن يتوقف الخلل في التركيبة الديمغرافية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات المقبلة، ولن تنصهر مكونات المجتمع في هوية واحدة جامعة، كما لن تتوقف القوى السياسية التي تحاول افتعال الانقسامات لتحقيق أجنداتها، ستظل الاختلافات في الهُوية قائمة، لذلك لا يمكن التعويل على التصحيح الثقافي الذاتي لمكونات المجتمع، فهو لن يحدث أبداً، بل سيكون عرضة لمؤثرات عدة.
الحاجة الآن للبدء في مشاريع وطنية تحاول تعزيز مفهوم التعايش لدى الخليجيين أكثر فأكثر، وليست مشكلة أن يتم مأسسة هذه العملية إذا كانت ستأتي بالنتائج المطلوبة. والأهم من ذلك أن مفهوم التعايش وثقافته، لا يتحقق عبر محاضرة أو برنامج تلفزيوني، بل هي عملية طويلة المدى تبدأ منذ الطفولة ولا تتوقف عند الشيخوخة.