الرأي

لماذا نجحت الملكيات وفشلت الجمهوريات؟

نظــــــرات




مازال النقاش محتدماً بشأن أسباب صمود الأنظمة العربية الملكية أمام الفوضى المستقرة التي عمت الشرق الأوسط، وسقوط عدد من الأنظمة العربية الجمهورية.
آخر فصول هذا النقاش ما نشرته «نيويورك تايمز» من عمل صحفي مميز بعنوان «كيف تفكك العالم العربي؟» وهو من إعداد الصحافي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط سكوت أندرسون. تضمن هذا التحقيق الصحافي مسألة إسقاط الثورات العربية للجمهوريات وعدم نيلها من الملكيات.
يبدو أن الغرب، وتحديداً الأمريكان مازالوا غير مدركين لتفاصيل الشرق الأوسط، وللثقافات السائدة في هذه المنطقة وأبعادها الأنثروبولوجية، بخلاف الإنجليز والفرنسيين الذين يختلف فهمهم لهذه المنطقة وشؤونها عن الأمريكان أنفسهم بحكم الخبرات التاريخية المتراكمة.
لاختصار الموضوع أكثر، أقدم مجموعة خلاصات نشرتها في أوقات مختلفة حول نجاح الملكيات العربية وفشل الجمهوريات العربية، وهو ما ساعد على صمود الأنظمة الملكية أمام الثورات، في حين فشلت الجمهوريات العربية وسقطت ودخلت مرحلة الانهيار العميق الذي يعني عدم إمكانية عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً.
هناك خمس مداخل مهمة لبيان طبيعة الأنظمة الملكية العربية وسبب صمودها أمام موجة الفوضى الخلاقة:
المدخل الأول: الأنظمة الملكية العربية لم تأتِ من فراغ، بل هي أنظمة عريقة وقديمة تعاقبت على حكم أقاليم جغرافية معينة لمئات السنين، بالتالي هي مكوّن أصيل لثقافات المجتمعات التي حكمتها، ولا يمكن تجاهلها تاريخياً في منطقة تعد الانتماءات القبلية والأسرية خلفية مهمة لفهم المجتمع.
المدخل الثاني: الأنظمة الملكية العربية تقوم على علاقة مختلفة بين الحاكم والمحكوم، وهي علاقة مسؤولية متبادلة، وليست علاقة وصاية وعبودية كما كان في الإقطاعيات الملكية الأوروبية سابقاً. لذلك قد يوجد تذمر من بعض الملكيات من الشعوب نفسها في مسائل معينة، لكنها لا تصل إلى مرحلة الثورة على الأسر المالكة، حيث تؤمن مختلف شرائح المجتمع أن استمرار هذه الأسر استمرار لاستقرار المجتمع، وضمان لتماسك الدولة، وحفاظ على المكتسبات الجماعية.
المدخل الثالث: استطاعت الأنظمة الملكية العربية تحقيق مستويات أفضل من الإنجاز التنموي في مختلف القطاعات مقارنة بالجمهوريات العربية، وهو ما أعطاها شرعية الإنجاز، وضمان ديمومة شرعيتها. وهي مسألة غير موجودة في الجمهوريات العربية التي فشلت في مناحٍ تنموية عديدة، ومازالت عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من النجاح رغم وجود مقومات كثيرة.
المدخل الرابع: استطاعت الأنظمة الملكية العربية تلبية احتياجات الأفراد، ولم تنشغل بتلبية احتياجات الحزب أو جماعات المصالح المتنفذة. حتى احتياجات أفراد الأسر المالكة تأتي ضمن احتياجات الشعب، وإن اختلفت امتيازاتها. لذلك نجد موجات الهجرات العربية - العربية تتم من شعوب الجمهوريات إلى مجتمعات الملكيات.
المدخل الخامس: لا يكترث المواطنون في الأنظمة الملكية العربية كثيراً بمسائل الحدود الجغرافية المصطنعة بقدر ما ينظرون إلى مصالحهم مع مصالح الدول المجاورة لهم، لذلك لم نجد هناك حروباً بينية بين الملكيات العربية بعضها بعضاً. كما نجد الدعم التلقائي عندما تواجه إحدى الملكيات أزمات أو تحديات مصيرية.
تلك المداخل الـ5 تساعد على تفسير صمود الملكيات العربية أمام الفوضى، واستمرارها في إقليم واسع ممتد يعيش اضطراباً لم يشهده من قبل.