الرأي

اللباب في فصل الخطاب

كلمــة أخيــرة



خطاب يطالب المواطنين بأن يكون عندهم «دم» ويقبلوا بسياسة الدولة التقشفية دون تذمر، وخطاب على النقيض يطالب الدولة أن يكون عندها «دم» وتتوقف عن فرض التزامات على المواطنين بل تمنحهم الحقوق بالمطلق بلا التزامات، وخطاب يحاول صناعة النجومية للمسؤولين عند المواطنين بالتحكم بعناوين الأخبار!!
جميعها نماذج تفتقد الذكاء، وجميعها تأتي بنتائج عكسية تضر صاحب الخطاب والأهم أنها نماذج تضر من حاول الخطاب تقديم خدمة له.
النموذج الأول خطاب عديم الإحساس يضر الدولة والقائمين على سياستها، خطاب متعالٍ وضع كل المخاطبين في سلة واحدة، وهذا أكبر أخطائه، خطاب لم يحسب حساب التفاوت الاقتصادي بين الناس، ولم يحسب حساب وجود غنى فاحش إلى جانب فقر مدقع، ولم يحسب حساب تقلص الطبقة المتوسطة التي كان من المفروض أنها الشريحة الأكبر التي ستتحمل عبء هذه السياسة دون إرهاق، ولم يحسب حساب وجود نظام متراخٍ في تطبيق القانون، سيسمح بتجاوزات واستثناءات تنتهي بتطبيق إجراءات التقشف على «ناس وناس»، كلها عوامل لن تجعل تحمل المسؤولية تجاه الدولة متساوية وبالتالي كان على صاحب الخطاب الداعم للسياسة التقشفية أن يشترط ويربط وجود مثل هذه العناصر كي يدعم أي قرارات تقشفية ويتحمس للدفاع عنها.
سياسة التقشف ليست هي الخطأ، إنما تسويقها يحتاج إلى وجود منظومة إجراءات مصاحبة كي يستطيع أي خطاب مدافع عنها أن يكون دفاعه منطقياً وعقلانياً وقابلاً للاستماع حتى يكون قابلاً للتطبيق.
النموذج الثاني خطاب عديم المسؤولية تماماً على النقيض من الخطاب الأول، يروج بين الناس ثقافة الأكل ومسح اليد بالحائط باعتبارها حقاً.
فللمواطن أن يخرب ممتلكات عامة أو أن يرمي الشرطة بـ«المولوتوف» وليس للدولة أن تقيد حريته، وللمواطن ألا يلتزم باشتراطات الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة باعتبارها حقاً مطلقاً من المال العام، فلا يجيب على أسئلة في مقابلة شخصية ولا يحفظ اسم بلده إن ابتعث، وله أن يهدم جدراناً ويخلع أبواباً إن حصل على وحدة سكنية، وله أن يفعل ما يشاء فلا تمن الدولة عليه بخدماتها ولا تضع لها ضوابط والتزامات نظير استحقاقها، خطاب يعبر عن منتهى النزق والاستهتار بحق الدولة، ثقافة «لوفر وبلطجية» لا تقبل أي دولة محترمة أن يجد مثل هذا الخطاب مكاناً علنياً في فضائها الإعلامي، لكنك تجد مثل هذا الخطاب في صحيفة مرخصة بقانون في البحرين، وتتساءل البحرين بعدها من أين جاءت مشروعية طعن الوطن في ظهره؟ جاءت حين وجد مثل هذا الخطاب الذي أنكر على المواطن أداء الالتزامات والواجبات تجاه الوطن في إعلامه وفي منابره المرخصة، فأجاز له هذا الخطاب تلقائياً بعد ذلك طعنه!
أما الخطاب الثالث فهو خطاب الدب الذي قتل صاحبه، خطاب لا يدرك صاحبه ذكاء القارئ ومدى استيعابه، خطاب يعتقد أن بإمكانه أن يلقي بأي عبارة يضعها في عنوان إخباري فيتلقفها المواطن تلقف المغفل النائم ويصنع بها نجماً شعبياً، خطاب لم يحسب حساب ضرر التذاكي على القارئ، بأنه ضرر يسمى باللغة الأجنبية «النيران الصديقة» تلك التي ترتد على من أرادوا نفعه وتلميعه فقام هذا الخطاب بخلق شعور استفزازي تجاه من لم يقف عند من كتب الخطاب إنما يمتد إلى الذي من أجله وضع مثل هذا الخطاب.
صناعة النجومية فن وعلم وتتطلب إدراكاً تاماً لمزاج الجهة المراد صناعة النجم فيها، وأصحاب هذا الخطاب أشخاص من «اللا لا لاند» يخاطبون «بوعقوف بحريني»، ولكم أن تتخيلوا النتيجة.
لأصحاب النماذج الخطابية الـ3، ليتكم تقيسون نتائج خطابكم وتمتلكون مراصد حيادية لتقييم تلك النتائج، وترون مدى تفاعل الناس معها وتستمعون لآرائه، لكم أن تنقموا على هذا المقال ولكم أن يتصيد بعضكم في الماء العكر ويحرض ضده، إنما في النهاية العبرة في تحقيق أهداف الخطاب، وفي النهاية أيضاً يبقى هذا المقال رأياً نقدياً صرفاً في لب «الخطابة» وعلمه، استفيدوا منه أو خذوه فغلوه!!