الرأي

لكل بحريني.. سياسة أم اقتصاد؟

نظــــــرات




بعد بدء مشروع التحول الديمقراطي في البحرين أثير جدل واسع ومهم حول كيفية إشراك مؤسسات المجتمع المدني في الشأن العام والانخراط في العملية السياسية، وكان سبب هذا الجدل حظر قانون الجمعيات لمثل هذا الانخراط. تم استثناء مادة من مواد القانون لفترة مؤقتة إلى حين صدور قانون الجمعيات السياسية الحالي خلال صيف 2005.
خلال هذا الجدل برزت مماحكات سياسية، وأثيرت معادلة الانشغال أو الاشتغال بالسياسة، وكان هدف جميع القوى آنذاك كيفية الاشتغال بالسياسة التي قادتنا إلى ما نحن عليه اليوم من تجربة سياسية مازالت في بواكيرها.
ذلك الجدل كان مهماً، ودوافعه الأساسية أن القوى السياسية المختلفة كانت تسعى لممارسة السياسة والاشتغال والانشغال بها، وكذلك شريحة واسعة من المواطنين. بالفعل كان النقاش مفيداً في تلك الفترة لاختبار قدرة المجتمع على التحول الديمقراطي، والتعرف على مشاكله وتحدياته.
الآن تبدل هذا الجدل والنقاش، هناك من زاد إيمانه بالسياسة، وهناك من كفر بها، فهل المطلوب مزيد من الانخراط في السياسة؟
الانخراط في السياسة مهم للغاية، لكننا الآن في مرحلة تصحيح سياسية تاريخية، وقد يكون الانخراط فيها خطراً في ظل وجود انقسامات مفتعلة بين مكونات المجتمع. ما تحتاجه البحرين انخراط من نوع آخر، انخراط يدفع المواطنين إلى الانشغال والاشتغال بقضايا أخرى تساهم في بناء بلدهم. ما نقصده هنا القضايا الاقتصادية التي يجب أن تشكل مستقبل البحرين، وتحدد مساراتها السياسية المختلفة. انشغال المواطنين بالاقتصاد أهم بكثير من السياسة، فهو انشغال بالمستقبل، انشغال باقتصاد المستقبل.
عندما ينشغل المواطن بكيفية زيادة دخله، وتتاح له الفرص التجارية والاقتصادية، ويقدم له الدعم، وتمنح له التسهيلات، فإنه سيبتعد عن السياسة تدريجياً، ويساهم في دعم الإصلاح السياسي عبر مشاركته في التنمية الاقتصادية. حينها ستجد الجماعات السياسية المتطرفة نفسها أمام وضع مختلف، فالجمهور ابتعد عنها، ووجد له هدفاً آخر بعيداً عن تلك الأهداف المفبركة التي يتم تسويقها عليهم من خلال المنابر الدينية، والهدف هنا سيكون أكثر وطنية.
الهوس المفرط بالسياسة كلف البحرينيين الكثير، وأضاع مستقبل الكثيرين منهم. لذلك حان الوقت لأن ينالوا المكاسب من السياسة عبر مدخل الاقتصاد، وأعتقد أن الفرص والبيئة مهيأة لمثل هذا النوع من الانشغال والاشتغال. خصوصاً وأن هناك الكثيرين تعرضوا لمثل هذه التجربة، كما هو الحال بالنسبة لأحد السياسيين المخضرمين الذين احترف السياسة لعقود طويلة، ثم اعتزلها نهائياً بلا عودة، والآن هو سعيد بإدارة شركاته التي تدر عليه الملايين سنوياً، وملايين أكثر في الاقتصاد الوطني.