الرأي

هوس خليجي بقدوات خارجية

نظــــــرات




فعلاً ظاهرة باتت اتجاهاً خليجياً عاماً لدى الكثيرين، وهي أن ترى خليجياً يمجد ويمتدح ويشيد وينوه ويدافع ويفتخر ويحارب الآخرين من أجل ما يعتبرهم قدوات بالنسبة له، وهؤلاء القدوات ليسوا خليجيين، بل قد يكونون عرباً، أو قد يكونون أجانب من دول الجوار أو الدول البعيدة.
لدينا نماذج كثيرة تستحق العرض، ظهر الخميني بثورته في إيران فصفقوا له واعتبروه من سيعيد أمجاد الأمة الإسلامية، بعدها قامت الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتم التصفيق لصدام حسين باعتباره من يحارب الفرس لعيون العرب، ثم صفقوا لحسن نصر الله في لبنان وتوقعوا أن تتحرر القدس على يده، وجاء مرسي ليحكم مصر ووصفه أحدهم بأنه سادس الخلفاء الراشدين، ولم تتوقف المسألة فهناك من يصفق لأردوغان وأحدهم أكد أن الملائكة تقاتل معه.
خمسة نماذج مهمة تكشف لنا ظاهرة لجوء الخليجيين إلى القدوات الخارجية دون اكتراث بتلك القدوة وظروف نشأتها في مجتمعاتها والاعتبارات السياسية التي تزامنت معها.
اللافت في جميع القدوات غير الخليجية أنها ساهمت في إحداث انقسام خليجي ـ خليجي حولها، ومازال هذا الانقسام قائماً على صعيد الحكومات قبل أن يكون على مستوى الأفراد. جميع هذه القدوات ساهمت بشكل أو بآخر في الإضرار بالمصالح الخليجية، وبعضها يتوقع أن يكون ضرره مستقبلاً أكبر بكثير.
أما بالنسبة لمسألة الدوافع التي تدفع الخليجيين إلى اتباع قدوات غير خليجية فسببها أن من صنع هذه القدوات وحرض الجماهير على اتباعها والاقتداء بها هي الجماعات المؤدلجة التي تبنت أيديولوجيات غير خليجية أساساً، لذلك تجد نفسها مضطرة دائماً لاتباع من يتبنى نهجها في الدول العربية أو دول الجوار الأخرى. وتتناسى هذه الجماعات وكذلك الجماهير أنه عندما تختلط الأيديولوجيا بالرغبة تكون النتيجة انفصال تام عن واقع المجتمع المحلي والعيش في مجتمع آخر.
إضافة إلى ذلك، فإن تبني الخليجيين قدوات غير خليجية معناه فقدان الثقة في القدوات الخليجية نفسها رغم وجود الكثير من القادة المميزين في مختلف المجالات الذين يستحقون أن يمثلون قدوة تحتذى.
الرغبة الشديدة في الخروج من واقع الصراعات والأزمات المتتالية في المنطقة المحيطة بدول الخليج، فضلاً عن التحديات الداخلية في مجتمعات هذه الدول. دفعت الكثير من أبناء الخليج إلى البحث عن قدوة افتراضية غير خليجية لإشباع احتياجات ذاتية نحو النهوض وتجاوز الصراعات والأزمات، خصوصاً إذا تلاقت الرغبة مع خطاب ديني يلامس هذه الاحتياجات.
دول الخليج بحاجة إلى إعادة تشكيل الفكر الخليجي لينظر أهل الخليج إلى إنجازاتهم ومكتسباتهم رغم كل المشاكل والتحديات والتهديدات، فالنموذج الذي تم بناءه هنا على ضفاف الخليج ليس بحاجة إلى أن نجد من أبناء جلدتنا من يمجد شخص آخر من هنا أو هناك.