الرأي

كنت أعلم أنك ستأتي

كنت أعلم أنك ستأتي


قالت لي صديقة الطفولة يوماً: لا تحاولي أن تكسبي ممن يختلف عنك في الطباع والأخلاق.
ثم راحت تسأل: هل تساءلتِ يوماً لمَ نحن صديقات من سنين طويلة فيما لم تستمر صداقتنا بفتيات يختلفن عنا في التصرفات والتربية والبيئة إلا عدة شهور أو «بالكثير» سنة أو سنتين؟ تعرفنا على الكثير من خلال أيام المدرسة والجامعة والعمل ورغم ذلك في النهاية لا ننسجم ولا تستمر المعرفة أو الزمالة وتتحول لصداقة حقيقية إلا فيما ندر وإن توطدت العلاقة بهن فهي في حدود معينة لا تصل إلى عمق صداقتنا!
ما يحصل بالمدرسة نموذج مصغر للعالم الخارجي، ولذا أصدق الصداقات هي تلك التي تنشأ في الطفولة حينما لا يرتبط الإنسان بصديق لمصالح معينة تنتهي مع انتهاء الدراسة وفترة العمل، ففي كل مكان الأشخاص المتشابهون في الطباع والأخلاق «يلتمون على بعضهم البعض» لذا بالنهاية فعلاً الطيور على أشكالها تقع!
نعتقد أن أجمل الأصدقاء الذين من الممكن أن يلتقيهم الإنسان في حياته أولئك الذين تقدمهم له الحياة كصدفة جميلة أو تأتي بهم له في أهم محطات حياته وأشد المواقف صعوبة، حيث يدخلون وينقشون على الذاكرة مواقفهم التي لا تزال ولا تمحى، فالصديق الذي تجده وقت الشدة عملة نادرة ومن الحماقة إضاعتها أو التفريط فيها، لذا فالصديق الحقيقي قد لا يكون حاضراً معك طيلة الوقت لكن وقت الشدة أنت متأكد أنه سيكون أول الحضور.
تذكرنا يوماً أحد زملاء العمل وهو يقدم النصحية عن الصداقة فراح يقول: هناك فرق بين المعارف والأصدقاء، فالمعارف كثر والأصدقاء قليلون جداً، وغالباً ما يكون الصديق الحقيقي في حياتك الذي تشاطره كل تفاصيلك لا يتعدى الشخص الواحد أو الاثنين، فيما البقية من الممكن إطلاق تصنيفات أخرى عليهم كصاحب الطلعات والنزهات وزميل العمل أو الدراسة وغيرهم!
هناك ظاهرة جديدة في عالم الصداقات بدأت تغزو حياتنا وللأسف الكثير بدأ ينساق وراءها، ففي عالم التواصل الاجتماعي أصبح كثير من الأشخاص يعتقد أن من يتواصل معهم هم أصدقاؤه الحقيقيون وغابت عن مفاهيمه المبادئ الحقيقية التي تعتبر عمود الصداقة، بل الأغرب أن تجد من يفسر أن تواصلك الدائم مع هذا أو ذاك يعني أنه صديقك دون أن ينتبه أنه كمثل الصاحب يصاحبك في أمور الدراسة أو الأنشطة أو العمل ويجمعك به نشاط معين أو اهتمام، فيما قد يختلف معك في كثير من النواحي الأخرى خاصة من ناحية الطباع والأخلاق والمبادئ التي تقوم عليها حياتك بل حتى اتجاهاتك الفكرية والدينية.
في العالم الافتراضي يصادف أن نكتشف من تدعي أن هذه صديقتها المقربة فنتساءل: كيف تكون صديقة مقربة وهي لا تعلم حتى عن إخوتي وأخواتي وأسمائهم بل ولم يصادف يوماً أن حضرت إلى منزلي أو التقت بعائلتي أو تعرف شيئاً عن خصوصياتي وأسرار حياتي؟
الصديق هو من يجالسك ولو مرة في الأسبوع ويثرثر معك بالهاتف دائماً ومن يكون بينك وبينه تواصل لا ينقطع وامتدادات لحكايات لا تنتهي أو تتعامل معه في إطار ضيق وتجمعك معه أنشطة، الصديق الحقيقي من يشاهدك الناس معه دائماً في كل نزهة أو جولة يتقاسم معك هواياتك وأوقاتك العائلية.
من أجمل ما قيل عن الصداقة الحقيقية أنها كالمظلة كلما اشتد المطر كلما زادت الحاجة إليها، تفتحها متى ما دعتك الحاجة لها في الصيف والشتاء، في أوقات اشتداد «حر» الحزن في حياتك أو تساقط السعادة وزخات الفرح حولك.
الصديق هو من يعرفك ويفهمك أكثر مما تفهم نفسك وتعرفها بل بإمكانه أن يلتقط نبرة الفرح أو الحزن من أول كلمة منك! وفي عالم الحاسة السادسة والتخاطر هو من يشعر بك وإن كنت بعيداً عنه بالمسافات! الصداقة الحقيقية هي تلك التي تنبت من تلقاء نفسها عفوياً لا تحتاج إلى أن ترويها بقرب أو هدايا أو منفعة أو أي شيء آخر، هي تلك التي تقدم لك أجمل نماذج الوفاء والإخلاص دون أن تطلبها، هي تجانس الأرواح وتوالفها مع بعضها البعض بمودة.
قال الجندي لرئيسه: صديقي لم يعد من ساحة المعركة سيدي أطلب منكم السماح لي بالذهاب والبحث عنه قال الرئيس: الإذن مرفوض لا أريدك أن تخاطر بحياتك من أجل رجل من المحتمل أنه قد مات، ذهب الجندي دون أن يعطي أهمية لرفض رئيسه وبعد ساعة عاد وهو مصاب بجرحٍ مميت حاملاً جثة صديقه.
كان الرئيس معتزاً بنفسه فقال: لقد قلت لك إنه قد مات! قل لي أكان يستحق منك كل هذه المخاطرة للعثور على جثة؟ أجاب الجندي بكل تأكيد سيدي عندما وجدته كان لايزال حياً واستطاع أن يقول لي: كنت واثقاً بأنك ستأتي!
الصديق هو الذي يأتيك دائماً حتى عندما يتخلى الجميع عنك وأضيف عليها هو من تكون متأكداً أنه سيأتيك في الوقت الذي تحتاج إليه فيه.
إحساس عابر
تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 30 يوليو من كل عام بذكرى يوم الصداقة العالمي والذي يأتي لأجل دعم ثقافة السلام واحترام التنوع الثقافي وتأكيد معاني التسامح والمحبة والعلاقات الإنسانية الرائعة، كنا نتمنى لو استغلت بعض الجهات في مملكة البحرين هذه المناسبة.