الرأي

فهم آخر للحرب ضد الإرهاب

نظــــــرات




بعد نحو شهر من الآن يتذكر العالم هجمات الحادي عشر من سبتمبر للمرة الخامسة عشر، وأعتقد أن الأحداث التي عقبت تلك الهجمات القاسية أهم بكثير من سقوط برجي التجارة، فضحايا السنوات التي أعقبتها بلغ مئات الآلاف من البشر حول العالم مقارنة ببضعة آلاف قليلة سقطوا ضحايا من تلك الهجمات الإرهابية.
الشهر المقبل سيتذكر العالم مرة أخرى تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن عندما أعلن عن قيام الحرب العالمية ضد الإرهاب، وكانت تلك الشرارة الأولى للفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، غزا في البداية أفغانستان، ولم تحقق واشنطن الانتصار بعد، ولم ينته الإرهاب ومصادره في كابول حتى الآن. ثم جاء غزو العراق بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل التي لم يتم العثور عليها حتى الآن، وسقط نظام البعث، وتحول العراق إلى دولة ممزقة تحاول مجموعة من الأطراف تمزيقها أكثر فأكثر في إطار منافسة محمومة قادت إلى ظهور جماعات متطرفة تمارس الإرهاب ونشرته من بغداد إلى الخليج وبلدان الشرق الأوسط الأخرى إلى أن استقر في البلدان الأوروبية التي جاءها الإرهاب عكسياً.
حارب العالم الإرهاب فزاد الإرهاب أكثر، وحاول العالم منع القتل فصار القتل أكثر. هذا ما حدث بعد أحداث سبتمبر، وبداية الحرب العالمية ضد الإرهاب التي أعلنتها وقادتها الولايات المتحدة. تلك الحقيقة تؤكد أن هناك فعلاً مشكلة، وليست مسألة مجاملات اشتراك معظم دول العالم من أجل محاربة الإرهاب في كل مكان.
هذه النظرة ليست بجديدة وليست مختلفة عن كثيرين طرحوا آراءً مشابهة، الخبير الإستراتيجي الأمريكي جورج فريدمان قال في تحليل له مؤخراً: «لقد مضى الآن نحو 15 سنة على هجمات 11 سبتمبر، ومازلنا لم نجب على الأسئلة الجوهرية: هل نحن في حالة حرب أم نكافح مجرمين؟ وإذا كنا في حالة حرب فمع من بالضبط هذه الحرب؟».
إذا كان الخبراء الإستراتيجيون الأمريكان لا يملكون إجابات على طبيعة الحرب التي يخوضونها منذ عقد ونصف العقد حتى الآن، فماذا يمكن الآخرين من إجابات؟
فعلاً أمر محير، لكنه لن يكون كذلك إذا أدركنا أن دوائر الاستهداف في الحرب العالمية ضد الإرهاب دوائر انتقائية، ولم تكن هذه الحرب يوماً حرباً شاملة. الحرب العالمية ضد الإرهاب هي حرب ضد من يسيء لمصالح الغرب ويحقق مصالحه فقط، وليس مصالح الدول العربية أو الإسلامية. كما إنها لم تكن حرباً لنشر السلام أو وقف القتل أبداً.
الحرب العالمية ضد الإرهاب مفهوم يجب إعادة النظر فيه من جديد، قبل أن يعاد التقييم في جدوى المشاركة والانخراط في تلك الحرب الخادعة.