الرأي

الفراغ الإستراتيجي بعد «داعش»

الفراغ الإستراتيجي بعد «داعش»


ما يجري في العراق وسوريا ليس تغييراً زلزالياً يحطم المدن ويترك أخاديد سياسية، واقتصادية، وعسكرية، ونفسية، بين الفرقاء في الوطن الواحد، حيث يعودون بعد تجاوزها لإصلاح حالهم. بل إن ما يجري تغيير بركاني انبثقت منه الحمم، والغازات، والرماد، وسالت في هيئة لوافظ ساخنة، وصلت تبعاتها الجوار الإقليمي. وبعد أن تبرد البراكين عادة تزداد خصوبة التربة فيسيل لعاب القوى الإقليمية والدولية لتلك المناطق الغنية التي غاب عنها أصحابها وباتت شاغرة. لقد خسر تنظيم «داعش» نصف الأراضي التي كان قد احتلها منذ انكساراته الكبرى في عين العرب والفلوجة. صحيح أننا أمة تعاني خاصرتها من مرض الفراغ الإستراتيجي المزمن منذ سقوط الدولة العباسية، لكن الفراغ المتشكل بعد رحيل شذاذ الآفاق من «داعش» سيكون هو الأخطر. فنحن المخاطب في فكرة «نهاية التاريخ» الذي يمهد لعولمة الموارد، ونحن المقصود في «صدام الحضارات» الممهد لوسم الإسلام بالتحدي الأكبر.
سينتهي الأمر بـ «داعش» بلا وطن كما هي حال القاعدة، وقد تقاوم الذوبان إلى حين عبر بيان ذئب منفرد قبل أن يمزق جسده حزام ناسف، أو عبوة في سيناء أو ليبيا أو اليمن أو أفغانستان أو «بوكو حرام»، أو في علم أسود بالعالم الافتراضي. ولن تستطيع بغداد التي أضحت خرابة ومرتعاً جاهزاً لنشأة هياكل إرهابية أخرى أن تملأ الفراغ. كما لن تستطيع دمشق المهدر دمها من قبل ستين فصيلاً مسلحاً أن تسترد ما ترك «داعش». وسيكون السباق على ملء الفراغ الإستراتيجي بين المشروع القومي التركي والمشروع القومي الإيراني، والمشروع القومي الكردي والمشروع الصهيوني. كما سيكون هذا الفراغ في شبكة مصالح روسيا، لكونها الأقرب والأقوى. أما واشنطن التي نفذت 42 عملية عسكرية في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، فلن تفرط في هذا الإرث بعد زوال «الارتباكية الأوبامية» المرحلية. ولكون القومية العربية، والتضامن الإسلامي واللذين شكلا حائط صد ملأ الفراغ الإستراتيجي معنوياً يعيشان حالياً أسوأ حالاتهما لانهيار نظام الأمن العربي وارتفاع الإسلاموفوبيا، لا يبقى إلا دبلوماسية تناقضات الأطراف المتصارعة، وإقناعهم بوضع ترتيب سياسي مستدام، حتى لا تصل تلك القوى إلى اتفاق.
* بالعجمي الفصيح:
سقوط «داعش» يعني تقاسم الفراغ، وإذا لم تكن دول الخليج قد تهيأت لمثل هذا اليوم الذي يتحول فيه الشركاء الإقليميون إلى غرماء إقليميين، فذلك قصور إستراتيجي لا اسم له.
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج