الرأي

هل تتفكك القارة العجوز؟

نظــــــرات


أوروبا التي تسمى القارة العجوز تضم نحو 23% من دول العالم، وتمثل رمز الديمقراطية العريقة في العالم، وطلاق بريطانيا منها مؤخراً فتح الباب لمناقشة الحركات الانفصالية الموجودة في هذه القارة والتي تطالب إما بالانفصال عن الدول الأوروبية، أو تطالب بحكم ذاتي، أو الانضمام لدولة مجاورة.
هذا المشهد يعود بنا إلى إعادة النظر في اتفاقية ويستفاليا الشهيرة التي وقعت في العام 1684 وأنهت الحروب والصراعات الدينية في القارة الأوروبية، وهي التي ساعدت على تشكيل دول أوروبا بالشكل الذي نعرفه اليوم.
أوروبا العجوز بها نحو 118 حركة انفصالية في 29 دولة أوروبية، مما يعني أن معدل الحركات الانفصالية هو 4 حركات في كل دولة أوروبية، وهو بلاشك معدل مرتفع، ويستحق إعادة النظر فيه من جديد.
الغرب ومعهم أوروبا عملوا منذ نحو قرن على رسم الشرق الأوسط بالشكل الذي نعرفه اليوم، وهم الذين عملوا منذ سنوات بسيطة لإعادة رسمه من جديد ليكون إقليماً مختلفاً عما نعرفه خلال السنوات القليلة المقبلة.
والمعيار الذي اعتمد لإعادة رسم الشرق الأوسط هو المعيار الإثنو ـ طائفي، بحيث يتم هندسة المنطقة طبقاً للانتماءات الطائفية والإثنية، وتبرر وجهة النظر الغربية ذلك أن المنطقة لن تشهد استقراراً أو تصبح ديمقراطية إلا إذا قُسّمت بهذه الطريقة التي تجري الآن.
بنفس المفهوم ينطبق على أوروبا، فيبدو أن اتفاق ويستفاليا لم يتمكن من إنهاء الصراعات السياسية في القارة الأوروبية مادامت هناك نزعات انفصالية كثيرة يمكن أن تشتعل في أي وقت.
ومن الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من دروس أوروبا أن نظرة وتقدير الذين وقعوا على اتفاقيات الاندماج وتشكيل الاتحاد الأوروبي ـ سواءً كانت اتفاقية روما 1958 أو معاهدة الاتحاد التي وقعت في 1993 ـ اختلفت عن نظرة قادة أوروبا الحاليين، أو على وجه الخصوص الشعوب الأوروبية التي باتت تنزع نحو الانفصال أو الاستقلال.
في شتاء 2011 كنت في زيارة لمقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، وجرت عدة لقاءات مع المسؤولين الأوروبيين الذين كانوا يتحدثون بفخر عن تجربتهم الاتحادية الناجحة على مستوى العالم. سألت أحدهم سؤالاً يتعلق بأكبر تحدي يواجهه الاتحاد الأوروبي، فكانت إجابته سريعة وصريحة ودون تردد، وقال: «الهوية الأوروبية المشتركة». أوضح المسؤول الأوروبي أن جهود التكامل الأوروبية لم تركز أو تنجح حتى الآن في تشكيل هُوية أوروبية مشتركة تذوب فيها الانتماءات الفرعية، وأجزم المسؤول أن هذه المهمة شبه مستحيلة أو يمكن أن تستغرق وقتاً يفوق عمر الاتحاد آنذاك. أشار المسؤول نفسه إلى أنه يدرك خطورة هذا التحدي الذي يمكن أن يقود إلى تفكك الاتحاد بسبب قوة الانتماءات والهُويات الفرعية الأوروبية.
الآن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي، وهناك هُويات فرعية أوروبية قوية، إضافة إلى حركات انفصالية يفوق عددها عدد الدول الأوروبية مجتمعة. ويبقى السؤال المستقبلي: هل تتفكك القارة العجوز؟