الرأي

الحقيقة التي تبينها الآخرون.. قبلنا

قطرة وقت


كل من وجد نفسه يتخذ موقفاً سالباً من القرارات التي اتخذتها البحرين أخيراً اهتم بتوصيل معنى واحد وإن بأساليب مختلفة وهو أن ما بعد تلك القرارات ليس كما قبلها، وأن الأرض ستشتعل لأن الحكومة «تجاوزت الخطوط الحمراء»، وأن «صدى ذلك ستجده على الأرض». شارك في ذلك «محللون» محليون وزعماء ميليشيات عراقية ومسؤولون إيرانيون ومتحدثون باسم «حزب الله» في لبنان و»تويتريون» يعملون ضد الحكومة، كلهم سعوا إلى توصيل رسالة واحدة مفادها أن «من فرح بالإعلان عن القرارات التي اتخذتها البحرين سيندم مثلما ستندم حكومة البحرين». هكذا باختصار وبكل بساطة، وهو ما يؤكد أنهم يأبون العمل كسياسيين، ذلك أن كل ما صدر عن هؤلاء وغيرهم -وهو كثير- لا يمكن أن يصدر عن أناس لهم علاقة بالعمل السياسي، فمثل هذه العبارات التي لا تتضمن سوى التهديد الفارغ لا يستخدمها من يفهم اللعبة السياسية ويمارسها.
الأولى من كل هذا ومن ردود الفعل غير المسؤولة والعاطفية هو إعادة قراءة الساحة والنظر جيداً في المعطيات الجديدة، ذلك أن التعامل مع دولة يختلف عن التعامل مع نادٍ أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، والعناد في مثل هذه الحالة ومثل هذه الظروف لا ينتج سوى التهديد الذي لا يمكن أن يجد له ترجمة على أرض الواقع، وإن وجد فإنها تكون من دون تأثير ولا تستطيع أن تغير شيئاً.
ما حدث هو أن حكومة البحرين وصلت إلى حد رأت فيه أنه حان الوقت لإعادة الأمور إلى نصابها، وأنها اقتنعت أن الاستمرار في أنصاف الحلول من شأنه أن يدمر الوطن، خصوصاً وأن هذا الأسلوب فهمه الآخرون بشكل خاطئ واعتقدوا واهمين أنه ينم عن ضعف وقلة حيلة، فأصدرت تلك القرارات التي من الطبيعي أنها لا تعجب المستفيدين من الوضع السابق لأن فيها تضييقاً كبيراً عليهم وشعوراً بالهزيمة وسداً لطريق اعتقدوا أنه سيظل سالكاً للأبد.
اليوم الكرة في ملعب من لم تعجبه تلك القرارات، وهؤلاء لم يعد أمامهم سوى خيارين لا ثالث لهما، إما المواجهة، وهذه ليست في صالحهم لأن نتيجتها محسومة بسبب اختلاف القدرات، وإما مراجعة النفس والتكيف مع الأوضاع الجديدة والعمل على تصحيح المواقف، أي العمل سياسة. والعاقل هو من لا يستجيب لعواطفه ويزن الأمور بعقله ولا يأخذ بكلام من لا يملك غير الكلام.
كل أولئك الذين أصدروا البيانات النارية أخيراً لن يقفوا معهم وسيكتفون بشحنهم وتركهم في الساحة يواجهون مصيرهم لوحدهم، وقد لا يجدون بعد قليل حتى ما ينصحونهم به. هذه حقيقة تبينها آخرون كثر على مدى التاريخ. وبكلام أوضح فإن إيران الملالي وعراق الميليشيات و»حزب الله» اللبناني منشغلون أساساً بأنفسهم ويبحثون عن دواء لـ»قرعتهم» ولا يستطيعون فعل شيء غير الكلام والتحريض والشحن، والعاقل في مثل هذه الحال «يأخذ ويخلي».
الوقوف في وجه الدولة التي تمتلك كل الأجهزة والقدرات جنون سيتبينه سريعاً كل الذين انقادوا لعواطفهم، فالدولة -خصوصاً بعد دخولها في هذه المرحلة التي أعلنت فيها أنه فاض الكيل وأنها لم تعد تستطيع صبراً- لا يمكن أن تتراجع لا بسبب قلق أمين عام الأمم المتحدة ولا بسبب قلق بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وهي لن تتراجع حتى لو وقف العالم كله في وجهها. يكفي أنها تفعل كل هذا لأنه من حقها، ولأن ما تقوم به لا يخالف دستورها ولا تتجاوز به القوانين.
من يحب شعب البحرين عليه ألا «يزهزه» له ولا يرمي به في أتون العواطف، فالأولى من كل شيء هو العمل لمستقبل الوطن.