الرأي

جغرافيا الهُوية البحرينية

نظــــــرات




رغم الأزمة الإسكانية التي تعاني منها البلاد منذ تسعينات القرن العشرين إلا أن مسألة علاقة الجغرافيا بالهوية الوطنية مسألة مهمة وحساسة لأنها تعطي مؤشراً عن مستقبل المجتمع البحريني وطبيعة العلاقات التي ستكون بين مختلف مكوناته.
التوزع الديمغرافي في البحرين يقوم على مجموعة معايير يقوم بعضها على الامتداد العمراني لبعض المدن والقرى، وبعضها يقوم على معايير إثنو ـ طائفية، وهي ليست مفتعلة بل هي طبيعية ولها خلفيات تاريخية سابقة لذلك لدينا مناطق بها كثافة سنية، وأخرى بها كثافة شيعية، وهناك مناطق هجرها المواطنون، وتحولت لمناطق سكن للأجانب فضاعت هويتها وطابعها البحريني للأبد. ومناطق قليلة من البلاد يوجد بها خليط من المكونين الرئيسين بحيث يمتزج المكون السني والشيعي معاً.
لاحظ الجميع أن أزمة 2011 الانقلابية أثرت على معظم مناطق البحرين، ومعظمها شهدت اضطرابات أمنية، وبعضها مواجهات طائفية، باستثناء مدينة عيسى التي اختلفت الأوضاع فيها مقارنة بالمناطق الأخرى. فرغم حساسية الأوضاع بين سكانها في ذلك الوقت والتوتر الذي كان سائداً، إلا أنها كانت من أكثر المناطق استقراراً، لذلك لم تتطلب المدينة معالجة أمنية خلال الاضطرابات، فالتوتر الذي ساد بين الأهالي سرعان ما تراجع، واضطر المواطنون للتعايش من جديد.
بالمقابل، هناك تجربة أخرى في مدينة حمد، وهي مدينة مختلطة من حيث المكونات، لكنها اختلفت تماماً عن تجربة مدينة عيسى، فالعلاقات الاجتماعية المتوترة دفعت منذ الأزمة وما بعدها إلى كثير من المصادمات الطائفية والمواجهات الأمنية، ليس بين الأهالي ورجال الأمن، بل بين الأهالي بعضهم بعضاً.
مفارقة لافتة، لكن سببها طبيعة التوزيع الديمغرافي لمكونات المدينتين، ففي الأولى التي تعد أقدم مدينة حديثة في الخليج العربي تم التوزيع فيها على أساس مجاورة السكان بمختلف المكونات بعضهم بعضاً، فالسني يجاور الشيعي والعكس صحيح في كل المناطق. هكذا تكونت المدينة، بخلاف مدينة حمد التي اختلف التوزيع الديمغرافي فيها، بحيث توزعت مكونات المجتمع فيها إلى كنتونات صغيرة جداً، فصارت الأحياء مقسمة حسب الانتماءات الطائفية.
تلك الظروف تدفعنا للنظر إلى هويتنا الوطنية من منظور جغرافي مختلف، فالمشاريع الإسكانية التي يتم إنشاؤها اليوم من قبل الحكومة لا تساعد على بناء الهوية الوطنية الجامعة، بل تزيد من قوة الانتماءات والهويات الفرعية أكثر فأكثر، لأنها تفصل كل مكون عن الآخر، بالتالي تضعف العلاقات الاجتماعية بشكل تدريجي بين هذه المكونات، ويصبح من الصعب صهرها في هوية وطنية جامعة.