الرأي

المعركة المبهمة

رؤى




حين قررت الدول الكبرى في مطابخها المخابراتية أن تغيَّر وجه المنطقة والشرق الأوسط عموماً وضعت في مخططاتها محددات سياسية وعسكرية لدولٍ بعينها، فهي اختارت بعض الدول العربية الاستراتيجية الكبيرة في مساحتها وموقعها وكذلك في ما تمتلكه من ثروات وقدرات مادية ضخمة لتسوية مشروعها عليها. بمعنى أوضح لم تكن كل الدول العربية هي المعنية بالتقسيم الذي جاء في تلك المخططات التي تعني الشرق الجديد، ولكن الذي حدث ولم يكن في الحسبان أن الكثير من الشعوب العربية رفعت عقيرتها لأجل التغيير، حتى أصبح ينطبق عليها المثل الشعبي «مع الخيل يا شقرا»، وكذلك المثل العربي القائل «حشر مع الناس عيد».
وبالفعل، لقد كانت سوريا وليبيا ومصر والعراق من أهم الدول التي جاءت في أدبيات التقسيم الغربي، لكن لم تكن دول عربية أخرى من ضمن هذا المخطط الذي كان يرمي إلى رسم شكل المنطقة بما يتناسب وخطط التقسيم الرامية - حسب زعمهم - إلى تحسين أوضاع بعض الدول التي تحكمها الديكتاتوريات منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، لكن الذي حدث هو أن بعض الشعوب العربية ولأسباب انفعالية أو عاطفية أو حتى لأسبابٍ لها بعض المنسوبات الموضوعية قامت باستنساخ بعض الحركات والثورات التي كانت مهيَّأة مسبقاً لتنتجها في دولها كنسخة كربونية فاشلة، فجاءت الأضرار أكثر من النتائج المرجوة منها.
في الحقيقة وكما جاء في الكثير من التقارير التي كشفتها بعض الجهات الدولية والمخابراتية أن دول الخليج العربي لم تكن أساساً من ضمن هذا المخطط الرامي إلى تقسيم المنطقة، لكن على ما يبدو أن بعضهم أساء فهم قراءة الواقع العربي في صورته العامة فقام بخلط الأوراق، فاعتبر أن الوطن العربي كله مشمول بما يسمى اليوم بـ «ثورات الربيع العربي»، وفي المحصلة لم يستطيعوا إسقاط أنظمتهم ولا استطاعوا تحقيق حلم الدولة الفاضلة.
ليس هذا وحسب، بل وكما يبدو عياناً لنا أن الدول المستهدَفة ضمن خارطة الربيع العربي لم تتحقق بعض أهدافها لصعوبة العملية السياسية الجديدة وعدم استيعاب شعوب تلك الدول صدمة التغيير، على الرغم من أن كل الدول الكبرى كانت تقدم دعماً مادياً وعسكرياً ولوجستياً صريحاً لإنجاح هذه الثورات، لكننا لم نجد الثمار وهي تزهر في أشجار التغيير، فكيف لدول أن تنجح حركاتها الشعبية وهي لم تكن في حسابات القوى الكبرى أصلاً لأجل التغيير كدول الخليج العربي وغيرها من الدول العربية؟
تحتاج بعض الشعوب العربية ومن الآن أن تعيد حساباتها بقراءة الواقع السياسي بشكل مغاير تماماً، وأن تلتفت إلى كل التفاصيل المحدقة بالمنطقة والمستقبل قبل أن تشرع في مشروع غير واضح، فقانون الربح والخسارة وكسب المستقبل السياسي في حسابات الشعوب هو الضمانة الوحيدة لإبقائها خارج «المعركة المبهمة».