الرأي

بين لهيب الصيف وجليد الشتاء!

على بالي


مع أول زخات المطر إيذانا بدخول فصل الشتاء ينتابني شعور كبير بالغبطة والسرور، خاصة منذ أيام الطفولة، حيث كان لتلك القطرات والتي تلحقها انهمارات غزيرة متفرقة ومتباعدة وقع وأثر كبير علي أنا شخصياً، لاعتقاد بريء، كان يجول في خاطري آنذاك، أن هطول المطر سوف يعطل الدبابات الحربية، ويكون سبباً في عرقلة تحركات المسلحين والمقاتلين الذين يتمركزون على أسطح المباني أو الموزعين بين الأزقة في الشوارع، تماماً كما هو الحال عندما ينقطع التيار الكهربائي، وأن هذه الظلمة سوف تربك تحركاتهم، وتثبط عزيمتهم. ولكن كل تلك الغبطة والأماني كانت تتبدد مع سماع أول طلقة رصاص في منتصف الليل لنعلم جيداً أننا سنمضي ليالي متعددة مقرها الملاجئ، ليالٍ مزينة بأنوار القنابل وأصوات المدافع، التي كنا نعشم أنفسنا نحن الأطفال أن ما نسمعه ما هو إلا دوي صوت الرعد. ينتهي فصل المطر ليحل علينا الصيف ولهيبه الحار، والحال كما هو عليه. كل تلك الذكريات المؤلمة والتي لا تزال محفورة في أعماق ذاكرتي تصبح عائمة على السطح، عندما أتابع أحوال المنكوبين في سائر الأقطار العربية الذين تلتهمهم أيادي الغدر والضغينة، وتتكالب عليهم الذئاب البشرية.
كل يوم حال أمتنا العربية يسير في انحدار سريع نحو الهاوية، فها هم أبناء حلب بالأمس، وأبناء الفلوجة اليوم، الذين هربوا من تنظيم الدولة «داعش»، ليجدوا أمامهم ميليشيات «الحشد الشعبي»، فالموت يلاحقهم والهلاك يطاردهم من جميع الجهات، فإن لم يكن من ذئاب بشرية، فسيكون بسبب تقلبات مناخية، فهم يتنقلون كأسراب السنونو من مكان إلى آخر، ومن ديرة إلى أخرى بحثاً عن الحياة، ليجدوا أنفسهم في أعالي الجبال يسكنون في خيام مسورة بالثلج والجليد الذي كان ضحيته الكثير من الأطفال الرضع والشيوخ الركع، أو من درجة حرارة عالية تفوق الأربعين، تحرق الجلد وتنسف الدم في الشريان، وهم مرتمون في الأحراش.
ولكن يبقى أسفي وعجبي، أنه مع كل أحداث الظلم المريبة التي نسمعها إلا أنه ليس من المستبعد أن نرى من داس على قلبه ويدعي الكثير من الإيمانيات المزيفة، أن فصل المطر قد رحل، وهاهم ينعمون بالشمس والأنهار والخضرة ويحصلون على إعانات من كل إنسان يصل إليه الخبر!! أيعقل أن ينظر إلى من يبحث عن قوت يغلف به أمعاءه الفارغة أو غطاء يلف به جسده العاري إلا من الكرامة، على أنه في نعيم! ونأبى أن نمد له يد العون ونكون نحن في المقابل من المحسنين! ولكن أي إحسان نتكلم عنه وبه، والبعض إلا من رحم ربي صدئ قلبه وأصبحت أفكاره تنهشها نار الأنانية الظلماء.
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا