الرأي

متى تستقر ليبيا وسوريا واليمن والعراق؟

متى تستقر ليبيا وسوريا واليمن والعراق؟



صباح بيروتي بارد، تاكسي رائحته زعتر، لكن ترتيل عبدالباسط جعل له هيبة، نزلت، ضللت طريقي في شوارع الأشرفية الضيقة، فرشة الحرب الأهلية اللبنانية تركت مسحة شاحبة على حيطان هذه المنطقة المسيحية. وجدت بقالة صغيرة تنبعث منها همسات فيروز، امتدادها الداخلي بحجم بابها الخشبي المتهالك، أنبلج وجه صبية باهرة الحسن، تجلـى نورها، توارت شمس الشارع خجلى، ارتبكت، بتلعثم سألتها عن مدخل الجامعة اليسوعية الذي ضيعته على غير عادة، مدت ذراعها بعنف، وأكملت امتداده أصابع يدها الناعمة، قالت بحزم «فشخه»، وفي الاتجاه الذي أشارت إليه سرت أنفض غبار قسوتها.
في الجامعة أبلغني أستاذي المستشرق الفرنسي الأب لويس بوزية أن كلمة «فشخه» تعني خطوة لا أكثر ولا أقل. فرحت، فلم تكن «اغرب عن وجهي!»، فالتقطت طرف تفسيره متلمساً الأعذار للحسناء: في ثقافة المسافات نحن يا «أبونا» نقول «حذفة عصى» ولا يعني ذلك الاقتتال. ونقول «قريب بدو» ولا يعني اقتراب غارة للبدو. وكما لم أفهم الصبية اقتنعت «أننا نحن لم نفهم لبنان» لذا استمرت الحرب اللبنانية 15 عاماً من يوم حادثة باص عين الرمانة في عام 1975، إلى اتفاق الطائف في عام 1989.
استمر القتل والتدمير 15 عاماً لأننا لم نفهم اللبنانيين بكافة أطيافهم. ومن لم يعرف لبنان وشارل حلو رئيساً للجمهورية 1964-1970 لم يعرف سويسرا الشرق. كانوا شعباً متعلماً، مؤدباً، مرفهاً، ومقتدرين مادياً وفكرياً. فكيف استمرت حربهم 15 عاماً!
في سفره التاريخي «حرب لبنان، تفكك الدولة وتصدع المجتمع» يقول الأستاذ الدكتور عبدالرؤوف سنو: كان الاندماج المجتمعي هشاً، وكانت لبنان بلد الطوائف والطبقات والفوارق الاجتماعية ساحة مواجهات إقليمية ودولية. وبدون «ذريعة» الربيع العربي سقط التعايش الطائفي والطبقي. ثم زاد وقود الحرب الاجتياح الإسرائيلي والاحتلال السوري. ووحشية حروب المليشيات، التي كانت تغذيها مواقف القوى الحزبية السياسية والدينية المتصلبة. لذا فشل الحوار والهدنة والمصالحات في ظل المدافع، وفشلت المبادرات واحدة تلو الأخرى. واستمر العبث الدامي حتى نضجت الرؤوس ومل الفرقاء من الاقتتال، فتقدمت المبادرة السعودية باتفاق الطائف وتوقف الاقتتال لكن الاستقرار التام لم يتحقق بعد.
* بالعجمي الفصيح:
تشير المصالح والتوازنات الدولية والأدوات الأكاديمية وقوالب التقدير التاريخية، والسياسية، والأمنية بقسوة، إلى أن الاستقرار في العراق وسوريا واليمن وليبيا ليس متوقعاً قبل مضي 15 عاماً من أول شرارة للحرب فيها، مع إدراكنا باختلاف قدرات الشعوب على تجاوز محنتها.
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج