الرأي

عولمة الخليج.. الذهب الأسود وجيل آخر!

نظــــــرات




من يلعب ألعاب الفيديو اليوم من أطفال الخليج لا أعتقد أنه يعرف ما هو الذهب الأسود!
من المؤكد أنه يعرف الذهب الأصفر، ولم يسمع عن الذهب الأبيض أيضاً إلا ما ندر.
ثلاثة أنواع من الذهب صارت معروفة اليوم في مجتمعات الخليج العربي، ولكنها لم تكن معروفة قبل 84 عاماً من الآن. أطفال اليوم سيحتفلون بعد 16 سنة وتحديداً في العام 2032 بالذكرى المئوية لاكتشاف النفط. قد يكون احتفالهم باكتشاف النفط ونضوب النفط، إلا أن الأهم أنه لم يعرفوا ماذا فعل الذهب الأسود بمجتمعاتهم على مدى قرن كامل!
ساعد اكتشاف النفط على عولمة الخليج بشكل سريع، فعمليات التحديث التي شهدتها هذه المجتمعات البسيطة كانت أكبر من أن تُستوعب، ويمكن النظر إلى هذه العملية من بعد واحد لاستيعاب أبعادها.
جلب النفط آلاف العمال الأجانب من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهؤلاء اشتغلوا في قطاع النفط المتنامي آنذاك، ولم يبقوا في انعزال عن المجتمعات المحلية. بالمقابل توظف عشرات الآلاف من مواطني الخليج في الشركات النفطية، وهناك التقوا هؤلاء الأجانب، تعلموا منهم الكثير، وتفاعلوا معهم، وكانت بدايات تفاعل ثقافي بدأ في النصف الأول من القرن العشرين.
ذلك التفاعل التاريخي الذي يأخذ فرصته في الدراسة من الباحثين، كوّن جيلاً خليجياً لديه قابلية مرتفعة لقبول ما يأتي من العولمة التي كانت ترفض في السابق بسبب الدور النافذ لرجال الدين، وقوة العادات والتقاليد.
النفط قاد نحو تشكيل الجيل الأول من أجيال العولمة، وهذا الجيل قاد عملية قبول وانتشار مظاهر العولمة في مجتمعات الخليج. ذلك الجيل الفريد هو أول من بدأ بعملية كسر الكثير من الأعراف السائدة، فهو الذي كسر تقاليد اللباس العربي، ليظهر لنا مواطنون خليجيون يلبسون القميص مع الشورت وعلى رؤسهم الغترة مثلاً كما نشاهد هذا المنظر في كثير من الصور التاريخية باللونين الأبيض والأسود. وقام هذا الجيل أيضاً بكسر تحريم تعليم البنات، وقيادتهن للسيارات، وانخراطهن في مختلف الوظائف لاحقاً.
هذه العملية تمت بسرعة في فترة الانتقال من النصف الأول إلى الثاني من القرن الماضي. وشهدت الكثير من مظاهر التحول للعولمة والقبول بمخرجاتها، منها كذلك المتغيرات التي طرأت على مستوى السلوك الفردي، في السابق كان الحديث بأي لغة أجنبية أمر مستهجن قد يصل لدرجة «العيب»، لكن الآن صارت المزاوجة مقبولة بين اللغتين العربية والإنجليزية مثلاً، حتى ظهر جيل آخر غير قادر على الكلام بجملة طويلة باللغة العربية دون أن يستخدم فيها مفردة من اللغة الإنجليزية.
تلك كانت تأثيرات النفط الهائلة على مجتمعات الخليج التي سارعت من وتيرة قبولها بالعولمة وتفاعلها مع العالم.