الرأي

القراءة «الروحانية» للسعودية بين عهدين

نبضات




يمكن القول ولاعتبارات عدة، جغرافية ودينية واقتصادية، أن المملكة العربية السعودية دولة محورية في الخليج العربي، وعزز ذلك، دورها السياسي في المنطقة من قبل ومن بعد، وما تمنحه من ثقل معلوم لكافة دول الخليج العربي على المستوى الدولي فضلاً عن الإقليمي، وتلك حقيقة وإن اصطف لها من المناوئين حجم ما لها من مؤيدين أو أكثر. ولكن الدور السياسي السعودي في المنطقة، لاسيما في مواجهة المد الفارسي نحو الخليج العربي في عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني، كان محكوماً بعوامل عهدين لملوك السعودية، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وشقيقه خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. فما انعكاس اختلاف سياستي العهدين السعوديين على القراءة «الروحانية» للسياسة السعودية؟
تعد الدعوة لقيام «الاتحاد الخليجي» التي قدمها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، واحدة من أهم ملامح عهده، بيد أن دروس العبر التي كانت تقدمها لنا مناهجنا التعليمية منذ الطفولة والتي تؤكد على أن الاتحاد قوة، جاءت لتتحطم كلها أمام هذا المقترح، ليواجه بمواقف خليجية متفاوتة بين القبول والرفض كانت كفيلة بأن تجعل من الدعوة مقترحاً يكاد يكون غير منظور في المستقبل القريب. كان هذا في خضم تصاعد الخطر الفارسي على أمن الخليج العربي في ظل ما تشهده المنطقة عموماً من ثورات «الربيع العربي» وتبعاته. وحسبما أرى فقد تلخصت قراءة روحاني لهذا في أمرين، الأول أن دول الخليج العربي منفردة في حالة من الضعف، لا تمكنها من المراهنة على أمنها واستقرارها بمعزل عن بقية دول الخليج الأخرى، ورغم أن تلك حقيقة منبعها الشراكة الخليجية في التاريخ والإمكانيات والمصير وما إلى ذلك، إلا أنها قرأت بأن في حال لم يتم الاتحاد فإن الخليج في ضعف «مدقع». أما الأمر الثاني، فينطلق من مقولة «اتفق العرب على ألا يتفقوا يوماً»، وهو وجه آخر للضعف كان يتيح لإيران فرصة ذهبية لاقتناص الثغرات واللعب على تباينات المنطقة بالمنظور الروحاني وأدواته للسياسة الخارجية.
من جانب آخر.. كان روحاني، أمام عهد سعودي جديد عندما تول ى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، ورغم أن السياسة الخارجية للمملكة لم تتغير في جوهرها إلا أنها تحولت بشكل ملحوظ في أسلوبها مؤخراً، وكانت الخطوة الأولى الصادمة للعالم وإيران بالطبع، القيادة السعودية لقوات التحالف في «عاصفة الحزم» باليمن، وتحول اللغة السعودية التي تتعاطى بها مع إيران والمجتمع الدولي. تلاها عدد من المبادرات الهامة التي جعلت المنطقة كل يوم في شأن، ما جعل روحاني بمواجهة محارب استل السيف من غمده ليواجه في الميدان بعيداً عن المماحكات، وهو ما انعكس على رؤية روحاني للسعودية باعتبارها محارباً شرساً يملك من الإرادة قدر ما يملك من الإمكانيات.. وأكثر بكثير.
* اختلاج النبض:
إن التحول الإيراني الأخير - خصوصاً في اليمن - واستنزاف طهران لعناصر قيادية عسكرية من قواتها هناك، دليل واضح على قدرة المملكة العربية السعودية على جذب إيران في دوامات «الفلك الخليجي» الذي صنعته السياسة الجديدة، وجعلت للمملكة اسماً عصياً في المنطقة، لاسيما على إيران. ورغم أن السياسة واحدة وكل الجهود في العهدين الأخيرين تصب في بحر واحد، إلا أن أدواتها التنفيذية الأخيرة كانت كفيلة بهز روحاني في عرشه.