الرأي

النكبة الفلسطينية والاعتراف القاسي

ماذا لو...؟



مرت ذكرى نكبة فلسطين التي وقعت في 15مايو 1948 بهدوء غير حذر طبعاً. فالنكبة التي خلفت آلاف اللاجئين في المخيمات وفي دول الشتات قد صار لها جيران كثر من اللاجئين الصوماليين والعراقيين والسوريين والليبيين، وربما غيرهم قد يأتي عليه الدور. وانهيار بعض الدول العربية في السنوات الماضية يحتم علينا إعادة دراسة مفهوم النكبة وتمثلاتها كي نحسن استخدامها في كتاباتنا، فربما سنعيد استخدام هذا المصطلح بشكل محكم في الحديث عن واقع العديد من الدول العربية.
لعقود طويلة كان اليقين راسخاً بأن الكيان الصهيوني هو العدو الأول للأمة العربية، وأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للعرب، وفي تصوري فقد تراجعت هذه القناعة وبقيت عند حدود التلفظ الشكلي أو الكتابة التقليدية ولم تعد يقيناً ولا برنامجاً، إذ دخل على الخط أعداء كثر، وحدقت بالأمة العربية مخاطر عديدة، فقد دخلت إيران على خط تهديدها لأمن الخليج العربي وهويته العروبية، ودخلت تركيا بدعمها لمشروع التنظيم الإخواني في العديد من الدول العربية وتدخلها الواضح والمباشر في بعض الأزمات العربية في سوريا ومصر، ودخل الإرهاب بجماعاته المتطرفة المتعددة التسميات والمواقع ليهدد استقرار الدول العربية ومستقبلها، ودخلت العولمة بمختلف صورها لتهدد الشخصية العربية التي لا ينكر أحد اهتزاز تماسكها وتخلخل منظومة القيم فيها.
والأسباب عديدة لتراجع الكيان الصهيوني عن صدارة العداء للأمة العربية وتموقعه في كراسي متأخرة كثيراً في الخلف، منها استقرار «دولة إسرائيل» لعقود طويلة منذ عام 1948، ونجاحها في «بناء دولة مستقرة متحضرة وديمقراطية» لحد بعيد، ومنشغلة بتطوير مواطنيها ومؤسساتها ومعنية بتداول السلطة بين الأحزاب الإسرائيلية ومتفاخرة بتغيير رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء «كل كم سنة»، على عكس الجمهوريات العربية التي تحولت إلى جمركيات أسرية واقتصادية.
السبب الثاني هو انفراط العقد العربي وتفكك مفهوم الجماعة العربية والإجماع العربي، وتطور حالات الخصومات العربية على بعض القضايا وتدخل كثير من الدول في الشؤون الداخلية والصراعات الداخلية للدول الأخرى، يحدث كل هذا في ظل ولادة الأعداء الجدد الحقيقيين للأمة العربية.
في ذكرى النكبة الأولى للعرب في التاريخ المعاصر، علينا الوقوف أمام المرآة والاعتراف لأنفسنا بكل وضوح أننا تخلينا عن القضية الفلسطينية بسبب انشغالنا بمآزق دولنا، وعلينا الاعتراف بتقدم حالة التطبيع مع إسرائيل وبتراجع الكيان الصهويني من مرتبة العدو الأول إلى الجار الدخيل غير المريح. وصدقوني.. أول طرق حل المشكلات الصدق والاعتراف بحقيقة المشكلة، وليس التنطع بالشعارات البالية المستهلكة.