الرأي

زيارة مصر والقوى الناعمة.. الأزهر الشريف «1-5»

زيارة مصر والقوى الناعمة.. الأزهر الشريف «1-5»




القوى الناعمة هو مصطلح برز عام 1990 على يد «جوزيف ناي» من جامعة «هارفارد»، ويقصد به القدرة على جذب الآخرين وضمهم إليك بدون استخدام أي وسائل للقوة أو الإكراه لإقناع الآخرين بما تريد، ثم خرج المفهوم ليستخدم في السياسية الخارجية والشؤون الدولية، عبر تعزيز استخدام الأدوات المدنية والدبلوماسية وفي مقدمتها الإعلام والمؤسسات السياسية والدينية، وبالتالي يكون للدولة المستخدمة لهذه القوى الناعمة قوة معنوية لدى الدول والشعوب الأخرى من خلال ما تجسده من مبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم والتعاون في المجالات المختلفة، وهو ما يؤدي بزيادة إعجاب الآخرين بمستخدم هذه القوى واتباع أسلوبه والإطراء والإشادة به.
ويمثل الأزهر والكنيسة والصحافة المصرية أبرز ثلاث مؤسسات كبرى كنماذج للقوى الناعمة المصرية التي لها تأثير كبير على الرأي العام والسياسة المصرية سواء في الداخل و في علاقاتها الخارجية ولذا فإنها جميعاً كان لها دور حاسم في المشهد السياسي المصري منذ سنين طويلة.
وإذا كان اهتمام الوفد البحريني بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، بهذه القوى الناعمة الثلاثة في مصر وحرص جلالته على زيارة الأزهر والكنيسة، إضافة إلى زيارة وزيري الخارجية وشؤون الإعلام للمؤسسات الصحافية الكبرى، وعقد ندوات وزيارات مطولة التقيا فيها مع كبار القامات الصحافية والفكرية بهذه المؤسسات من أمثال مكرم محمد أحمد والسيد ياسين في الأهرام، وياسر رزق بالأخبار، والسيد البابلي في الجمهورية، بجانب رؤساء تحرير وكبار كتاب هذه الصحف وذلك لبيان حقيقة الوضع في البحرين وقضيتها الوطنية بعيداً عن بعض محاولات التزييف الذي يقوم به الإعلام المغرض والمشوه للحقائق، والتي تحمل أجندة مخططة ضد الوحدة الوطنية، وضد مصالح عموم الشعب البحريني.
إن زيارة هذه القلاع الثلاثة ذات أهمية كبرى، لا لأنها مؤسسات ذات دور وطني وإقليمي فحسب، وإنما لدورها الكبير على مدار التاريخ المصري الحديث والمعاصر في حماية الدولة المصرية، والتعبير عن الرأي العام المصري والعربي، والمكانة الكبري التي تنالها في كل منها في قلوب المصريين. وسوف نتطرق لكل واحدة منها لنرى كيف تفاعلت مع مجتمعها وقضاياه الوطنية لندرك قيمتها في صنع السياسة المصرية وعلاقاتها بالقضايا الداخلية والخارجية ونبدأ في هذا المقال وعلى جزءين بالحديث عن الأزهر الشريف.
فقد نال الأزهر في التاريخ المصري مكانة ربما لم تنلها مؤسسة أخرى إذا استثنينا المؤسسة العسكرية، حيث كان للأزهر الدور البارز في قيادة الحركة الوطنية ضد قوى الاستعمار إلى جانب دوره في حماية الثقافة الإسلامية.
فحين احتل الفرنسيون مصر في 13 يوليو 1798، اجتمع علماء الأزهر ليرفعوا الروح المعنوية لجماهير الناس، واتفقوا على إرسال مندوب إلى «نابليون بونابرت» قائد الحملة ليطلبوا منه الأمان لعموم الشعب، ثم طلب نابليون من المشايخ والعلماء أن يشاركوا في ديوان يشاركه الحكم، وذلك لإدراكه المكانة الكبيرة التي يحتلها الأزهر في المجتمع المصري. ولذا سعى لكسب ود العلماء باعتبارهم على حد قوله كما يقول الجبرتي مؤرخ الحملة «هم زعماء الشعب المصري وحفروا ثقة ومودة سكان مصر عن بكرة أبيهم»، ولذا خلع قاضي القضاة التركي، وعين مصرياً لأول مرة هو الشيخ أحمد العريشي معللاً قراره بأن «علماء القاهرة هم أعلم علماء الإسلام». كما تعددت مظاهر احترام نابليون للعلماء فكان على سبيل المثال يأمر حرس الشرف المرابطين أمام مقر قيادة الجيش الفرنسي أن يؤدوا التحية العسكرية بالسلاح لعلماء الأزهر. «وللحديث بقية».
* أستاذ الإعلام
المساعد بجامعة البحرين