الرأي

الغرب ينفخ في كير «الإسلاموفوبيا»!

المشاء


لا يتوانى الغرب عن إلصاق تهمتي الإرهاب والتطرف بالإسلام، مصراً على أن ينفخ في كير الإسلاموفوبيا، ثم ما يلبث أن يحذر منها على استحياء!
و«الإسلاموفوبيا» مفهوم يعني الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين.
وازدهر مفهوم الإسلاموفوبيا في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 التي وقعت في أمريكا وتبناها تنظيم «القاعدة»، واحتل على إثرها بلدان إسلاميان هما العراق وأفغانستان.
وقد روج عدد من المفكرين الغربيين أصحاب الفكر الصهيوني لبروز الإسلام باعتباره عدواً جديداً للغرب بدلاً من الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفيتي، وروج بعضهم لفكرة انتهاء «الخطر الأحمر» الشيوعي، وبروز «الخطر الأخضر» الإسلامي.
ويتنامى تدريجياً شعور عنصري مناوئ للمسلمين وللإسلام في الغرب، أذكاه الجهل المستحكم بالإسلام لدى فئات واسعة من المجتمعات الغربية، وخطاب محرض لدى بعض وسائل الإعلام. ولذلك، سعت الأحزاب اليمينية المتشددة والشعبوية إلى استثمار هجمات 11 سبتمبر في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وتوظيفه لغايات انتخابية، فظهرت شعارات منها «أسلمة أوروبا» و«التهديد الإسلامي الخفي»، والتي وفرت لليمين المتطرف خطاباً مسموعاً عوضه عن ضعف خطابه السياسي ومحدودية البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها.
وتجلت نتائج الخطاب في تنامي الأعمال العدائية ضد المسلمين خاصة في حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في المدن الأوروبية، إضافة إلى منع رفع الآذان في المساجد، ومنع المسلمات من ارتداء الحجاب والنقاب في بعض الدول الأوروبية.
ولا شك في أن فوز اليمين المتطرف في النمسا في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية شكل صدمة في أوروبا وسيلقي بظلاله على دول أخرى خاصة ألمانيا وفرنسا. وهذا ما دفع الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياغلاند إلى التحذير من أن الديمقراطية وحقوق الإنسان مهددة بتصاعد النزعة الشعبوية والقومية في أوروبا. وقبل أيام انتقد ساسة ألمان من جميع أطياف المشهد السياسي حزب «البديل من أجل ألمانيا» بعد أن أعلن الحزب أن «الإسلام لا ينسجم مع الدستور». وأيد الحزب الذي ظهر على الساحة السياسية منذ 3 أعوام بياناً خلال مؤتمره العام الذي عقد مؤخراً لحظر المآذن والنقاب. ورغم أن ألمانيا يعيش فيها 4 ملايين مسلم تقريباً أي نحو 5% من السكان، إلا أن الحزب المتطرف لم يتردد في وصف الإسلام بأنه «جسم غريب على المانيا»، الأمر الذي دعا حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي تنتمي له المستشارة أنجيلا ميركل إلى توجيه انتقادات للحزب. ولا يمكن تجاهل حركة «بيغيدا» المعادية للإسلام والتي تنظم تظاهرات أسبوعية وشهرية تطالب برحيل المسلمين عن ألمانيا وأوروبا.
والعام الماضي أظهرت دراسة واسعة النطاق لمؤسسة «بيرتلسمان» أن 57% من الألمان يعتبرون الإسلام «تهديداً» و61 % يرون أنه «غير متوافق مع العالم الغربي».
وفي بريطانيا، قدمت الشرطة اعتذاراً على استخدامها هتاف «الله أكبر» خلال تمرين على اعتداء إرهابي داخل مركز ترافورد التجاري في مانشستر شمال البلاد، وعبرت عن اسفها للربط بين الإسلام والإرهاب بشكل واضح. ويظهر تسجيل التدريب الذي بثته شبكات التلفزيون البريطانية رجلاً مقنعاً يرتدي ملابس سوداء يقتحم المركز التجاري هاتفاً «الله أكبر» قبل أن يحدث انفجاراً صغيراً ويقع أرضاً. وفي فرنسا التي يعيش فيها نحو 5 ملايين مسلم، أعلنت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان أن الأعمال المعادية للإسلام في عام 2015 زادت 3 أضعاف بمعدل «+223%» من 133 في 2014 إلى 429 في 2015 مع ارتفاع كبير في الأيام التي أعقبت اعتداءات 7 يناير و13 نوفمبر 2015. وفي أمريكا، رفعت مسلمات شكويين في كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة بتهمة التمييز الديني، إحداها قدمتها مسلمة اتهمت شرطيين بإرغامها على خلع الحجاب بعد توقيفها.
ورفعت شكوى أخرى من قبل مجموعة من 7 مسلمات لطردهن الشهر الماضي من مقهى في لاغونا بيتش لأن 6 منهن كن محجبات. وتأتي الشكويان في حين تتهم الشرطة في لوس أنجليس وسان فرانسيسكو بأنها وراء رسائل إلكترونية ورسائل نصية قصيرة عنصرية تثير السخرية بحق المسلمين. وأمس الأول، منعت كلية سيتادل العسكرية في ساوث كارولاينا طالبة مسلمة من ارتداء الحجاب مع زيها الرسمي. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن الهجوم العنيف الذي شنه دونالد ترامب المرشح الجمهـــوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، على الإسلام والمسلمين أثار جدلاً واسعاً فـــــي العالم، حينمـــــا توعد بمنع المسلمين من دخول أمريكا لاقتناعه بأن «الإسلام يكره الولايات المتحـــدة»، على حد زعمه.
ولم يختلف الأمر كثيراً في بلغاريا، حيث منعت مدينة بازاردجيك الجنوبية ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وبررت بلديتها التدبير غير المسبوق بتنامي السلفية على الصعيد المحلي، وفرضت غرامة قدرها نحو 500 يورو على من ترتدي النقاب.
وفي هذا الصدد، طرح حزب الجبهة الوطنية القومي الذي يدعم حكومة وسط اليمين، اقتراح قانون يمنع ارتداء النقاب على الصعيد الوطني تحت طائلة دفع غرامات باهظة والحرمان من المساعدات الاجتماعية، بل أن الأشخاص الذين يشجعون على ارتداء النقاب يواجهون عقوبة السجن حتى 3 سنوات، بموجب الاقتراح!
ولا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي الذي يصر على ربط الإرهاب والتطرف ظلماً وعدواناً بالإسلام، إضافة إلى وصف الهجمات الإرهابية والمتطرفة بـ «الجهادية»، ناهيك عن ربط تنظيم الدولة «داعش» بالإسلام بإضافة كلمـــــة «الإسلاميـة» إلى مسمى التنظيم الإرهابي، ووصف تنظيم القاعدة بـ «الإسلامي السني»، ما يعزز تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب.
* وقفة:
بزوغ نجم اليمين المتطرف في أوروبا يزيد حالة الاحتقان تجاه الإسلام والمسلمين خلال السنوات المقبلة ويعزز تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا ومن ثم لا يمكن تجاهل التصاعد الخطير للقومية والشعبوية في الحياة التشريعية الأوروبية وربما تسن قوانين ضد الإسلام والمسلمين تتناقض مع المعايير الدولية!