الرأي

عولمة الخليج.. الغوص بين كارتييه وميكوموتو

نظــــــرات



في صيف لاهب كان جاك كارتييه يتنقل بين البحرين ومغاصات اللؤلؤ في العام 1911 بحثاً عن أثمن وأجود أنواعها من أجل استخدامها في صناعات مجوهراته. ولم يتوقع كارتييه أن تحتفل البحرين الأرخبيل الصغير الذي كان يزوره آنذاك بافتتاح بوتيك فخم باسمه في المجمع التجاري مودا مول بعد قرن كامل من تلك الزيارة الشهيرة.
المسؤولون الفرنسيون ذهلوا عندما علموا أن صانع المجوهرات الأشهر جاك كارتييه زار البحرين، وقابل شيوخها وطواويشها ونواخذتها وغاصتها وشرائح متنوعة من المواطنين، وهو ما تثبته صور زيارته المهمة للمنطقة والبحرين تحديداً.
تجار أوروبيون وأمريكيون وكذلك هنود قاموا برحلات مماثلة لتلك التي قام بها كارتييه، ومعظمها غير موثق. وجميع هذه الرحلات تعكس لنا كيف كانت العولمة المبكرة في منطقة الخليج العربي، كان هناك تفاعل خليجي أوروبي، وتفاعل خليجي هندي نتيجة نشاط الغوص الذي يعتبر في تلك الفترة الصناعة الرئيسة لمجتمعات المنطقة، ومصدر الدخل الأساس لمشيخات الخليج في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
الغوص نشاط اقتصادي واجتماعي وثقافي ضخم بتفاصيله الكثيرة، ولكنه لم يتأثر كثيراً بهذا التفاعل، فرغم الزيارات المتبادلة، إلا أن مجتمعات الخليج العربي لم تستفد مثلاً من التكنولوجيا الأوروبية في تطوير بناء سفن الغوص، أو الاستفادة منها في عملية فلق المحار بحثاً عن اللؤلؤ. بالمقابل نجد أن الأوروبيين والهنود هم الأكثر تأثراً في تلك المرحلة من العولمة المبكرة بثقافة الخليج، مثال ذلك أن معظم صور جاك كارتييه للبحرين والخليج كان وهو يرتدي اللباس العربي التقليدي. إضافة إلى ذلك تأثر الغرب كثيراً بنمط الهندسة البحرية الخليجية وطرق صناعة السفن التي لم يكن معروفاً لدى الأوروبيين إمكانية صناعتها بشراعين مزدوجين متوازيين بعد أن كانت الهندسة البحرية في أوروبا تعتمد على زيادة عدد الأشرعة في السفن بهدف زيادة سرعتها تصل أحياناً إلى 30 شراعاً.
تأثر الخليج بالعولمة المبكرة في حقبة الغوص يدفعنا إلى استذكار ما فعله الياباني القروي ميكوموتو الذي اخترع تقنية اللؤلؤ الصناعي ونجح فيها يوم 11 يوليو 1893 بعد فشل دام 15 سنة، ولم يتوقع ميكوموتو أن يدمر اختراعه صناعة اللؤلؤ الطبيعي في الخليج العربي خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، تحديداً في العام 1920.
الغوص يمثل جانباً مهماً من جوانب العولمة المبكرة، ولا يمكن تجاهل هذه الفترة التي تأثرت فيها المنطقة بأوروبا شمالاً وباليابان أقصى الشرق. إرهاصات العولمة كانت موجودة، ولكن شكلها كان مغايراً لما قد يعتقد أن جاءت لاحقاً مع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة.