الرأي

عولمة الخليج.. تأملات أولية

نظــــــرات



تنتظر طابوراً طويلاً للغاية يمتد لعدة كيلومترات أمام فندق الريتز كارلتون بالعاصمة السعودية الرياض لترى الآلاف من الشباب والشابات السعوديين ينتظرون دورهم للدخول إلى القاعة الرئيسة بالفندق للمشاركة في فعاليات منتدى «مغردون»، وهي الفعالية الأكثر تميزاً على مستوى المنطقة في مجال عالم التواصل الاجتماعي. تسأل أحد المشاركين الشباب: لماذا أنت هنا؟ وهل تستحق فعالية خاصة بالإعلام الإلكتروني مثل هذا الاهتمام؟ يجيب عليك بثقة مفرطة طبعاً تستحق لأنني هنا أتواصل مع أصدقائي الإلكترونيين، وقد أشاهد بعضهم لأول مرة، وسألتقى بعدد من الشخصيات المشهورة في «تويتر». فعلاً موقف مذهل ويدعو للتوقف.
تنتقل إلى الشارقة بالإمارات، فترى مئات الشباب والشابات الإماراتيين يعملون باهتمام وشغف لنقل فعاليات منتدى الشارقة الدولي للاتصال الحكومي عبر هواتفهم الذكية من الصباح وحتى المساء.
في البحرين تحولت شخصيات عادية إلى شخصيات عامة خلال ساعات والسبب شبكات التواصل الاجتماعي، وسلوك الأفراد الذي تبدل في أقل من خمس سنوات، وصار الهاتف الذكي وشبكات التواصل الاجتماعي هي الحاضرة في كل مكان، في المكتب، أو المجلس، أو المنزل، وحتى في السيارات ليتدفق كم هائل من البيانات من الصعب استيعابها.
ثلاثة مظاهر قد تمر علينا بشكل عادي، ولكنها في الحقيقة مظاهر تعكس حقيقة ما يحدث بيننا ونحن نعيشها كل يوم، تؤثر فينا ونتأثر فيها. إنها العولمة التي حولت العالم كما يقال إلى قرية صغيرة، العولمة التي جاءت إلينا في الخليج بدون استئذان، ولم تطرق أبوابنا، بل دخلت فجأة، ولم يتسن لنا الوقت لنقرر ما إذا كنا قادرين على استيعابها، وبحث تأثيرها علينا، وحدود تأثيرنا فيها إذا كانت هناك فرص أساساً لمثل هذا التأثير.
العولمة التي لم تدرس في مجتمعاتنا الخليجية، وإذا طرحت في المدارس أو الجامعات فإن الحديث عنها يعني «استعماراً جديداً»، ولن يتجاوز مفهومها سياقات نظرية المؤامرة، خصوصاً في ظل وجود مؤسسة دينية نشطة في المجتمعات الخليجية تنزع كثيراً لرفض كل ما هو أجنبي، وتتوجس لما يأتي من الخارج.
العولمة ظاهرة لم نتوقف عندها كثيراً بسبب وتيرتها المتسارعة، وانشغال النخب والعامة أيضاً بصراعات سياسية وانقسامات طائفية مفتعلة، ولم تتم مناقشة علاقة انشغالنا بالصراعات بالعولمة نفسها، وما إذا كانت الأخيرة تساهم في ديمومة هذه الصراعات نحو فوضى مستقرة من الصعب الخروج منها.
كل فرد في الخليج مسؤولاً كان أو موظفاً عادياً، مواطناً أو مقيماً، يساهم في إنتاج العولمة من حيث لا يعلم، وهي عولمة الخليج التي سنحاول مناقشتها بتعمق أكبر خلال الفترة المقبلة.