الرأي

ماذا فعلت بهم يا كيري؟

كلمــة أخيــرة



أعطى وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة نصائح لمن يحلو له تسميتهم «بالمعارضة» ونسميهم نحن المجموعة الانقلابية على الدستور أهمها كانت الابتعاد عن حزب الدعوة العراقي.
هذه النصائح لم تطلق عائمة أو هائمة لهذه المجموعة إنما كانت شرطاً من شروط استمرار الدعم الأمريكي لها، قيل لهم إن أرادوا الرعاية فعليهم أن يسمعوا الكلام ويطيعوا وإلا رفعت أمريكا يدها عنهم.
ورغم أن نصيحة السيد كيري هي لصالح خصوم هذه المجموعة، أي لصالح الشعب البحريني الذي قدمها لهم منذ عام 2000 أي منذ العفو العام والعودة للبلاد بالابتعاد عن حزب الدعوة والابتعاد عن الفقيه الإيراني، إلا أنهم رفضوا الإصغاء، وأصروا على الإنكار والتجاهل، فجاءتهم اليوم من «السبونسر» الذي وضعها شرطاً لاستمرار رعايته.
ما نعترض عليه يا سيد كيري ليس فحوى نصيحتك فنحن كما ترى نتفق معها، ما نعترض عليه هو مبدأ الدعم والرعاية لأي مجموعة كانت حتى لو كانت متفقة معنا، فمبدأ رعاية المجموعات أو الجماعات أو الأحزاب أو الأقليات هو المرفوض، هو الممنوع، هو ما ندعوه في أدبياتنا بالخيانة، وهو بحد ذاته عامل طرد لا عامل جذب ودمج لهذه الجماعات أو غيرها أو للأقليات في أي مكان، وهو ما سيبقيهم بعيداً عن النسيج البحريني وسيظل عائقاً وعقبة أمامهم للاندماج والانخراط مجدداً في العملية السياسية، إنكم تضرون بكل مجموعة أسبغتم عليها حمايتكم ورعايتكم، لأنكم تجعلونهم كاللاعب المفروض على بقية الفريق غير منسجم وغير مندمج.
إنكم أسأتم في موقع آخر للإخوان المسلمين وللأكراد وللشيعة وجعلتموهم شركاء غير مرغوب بهم، طالما أن هذه الجماعات لم تسعَ للبحث عن أواصر الاندماج مع شركائهم في الوطن وتعزيزها، وتبذل جهداً لجمع خيوط النسيج الاجتماعي والانصهار بها وروابط الوطنية الجامعة والانخراط فيها، فإن فرض دمجها لن يكون ولن يتم بقوة خارجية، بل بالعكس ستكون تلك القوة عامل طرد وتنافر، وللحق فإن الأقباط المصريين هم أكثر الأقليات التي وعت وأدركت خطورة مشروعكم ونأت بنفسها عنكم، أما البقية فإن الإغراءات أغوتهم فاندفعوا لكم دون إدراك أن الارتباط بكم دائماً سيكون مشروطاً وحين يعودون لشركائهم بدون راعٍ، سيكون الشرخ قد حدث والشق قد اتسع والفتق يصعب رتقه.
لهذا فإن أول مسمار ضرب في مشروع «دعم الديمقراطية» الذي تبنيتموه وهو مشروع ممتاز ورائد ونواياه حسنة، إنما ضرب في مقتل حين تم ربطه بمشروع تمكين الأقليات، أنت هنا قتلت الاثنين «الأقليات» و«الديمقراطية» معاً.
إن لقاءكم معهم لم يخدمهم أبداً بل قضيتم على ما تبقى لهم من مصداقية، ولا يخدم لحمة الشعب البحريني حتى وإن جاءت نصائحكم على ما يرغب الشعب البحريني، فلقاؤكم معهم يؤكد استمرار الرعاية الأمريكية لهذه المجموعة وهو مبدأ أساء لهم ولم يخدمهم أبداً وباعد بينهم وبين الشعب البحريني أكثر، أما إنكار هذه الرعاية الخاصة بهذه المجموعة فلن يزول بتصريح وخطاب وكلام وبيان يردد «نحن نقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف البحرينية» ولم تجتمعوا إلا بهم.
مشكلة الأمريكان أنهم يتحركون وعينهم على ردود أفعال الصحافة الأمريكية وجماعات الضغط الأمريكية والأحزاب الأمريكية واللجان في الكونغرس الأمريكي، وهؤلاء جميعاً ليس من بينهم واحد سيبقى هنا حين تغادرون ويترك هذه المجموعة مع شركائهم في الوطن وجهاً لوجه، لقد لطختم سمعتهم بهذا اللقاء ورحلتم.
الشعب البحريني لا ينظر لهذه المجموعة بعد انتهاء زيارتكم إلا كلاعب مفروض عليهم من الأمريكان لا يستسيغون اللعب معه، فتركتموهم أذلاء منبوذين.
قد يكون هذا درساً للولايات المتحدة الأمريكية أن تتعلمه فقد أسأتم لكل الجماعات التي أقحمتم أنفسكم برعايتها، فقد خسر شيعة العراق عراقيتهم وكان للتحالف معكم دور في هذه الخسارة ويخسر الأكراد تعاطف القومية التركية معهم بسبب تحالفكم وتخسر المجموعة الانقلابية في البحرين تعاطف الشعب البحريني وسبب رئيس لهذه الخسارة هو تحالفها معكم.
وهذا درس على كل بحريني أن يتعلمه هو أن أول طريق «الممارسة» السياسية والنشاط السياسي المعارض -فلا بأس من المعارضة- أن تكون بحرينياً خالصاً لا ببياناتك ولا بتصريحاتك ولا بخطابك بل بممارساتك بحجم مشاركتك للآخرين وبالمساحة التي تعطيها لهم في حراكك، لا بحجم من يرعاك من الخارج، فهي وحدها إما أن تثبت وطنيتك السياسية، أو خيانتك لها، فحين ظهور أول بوادر تناقض خطابك مع ممارستك فإن السيل سيجرف هذا الخطاب ولن يبقي غير قناعك طافياً على السطح.