الرأي

السعودية والتحوّل لقوة عظمى في الشرق الأوسط

نظــــــرات




لم يفق العالم بعد من صدمة إعلان تأسيس الصندوق السيادي السعودي ليكون أكبر صندوق سيادي في العالم بحلول العام 2020 بإدارة استثمارات تصل لنحو 2 تريليون دولار، إلا وجاء الخبر الآخر والمفاجئ بإنشاء جسر الملك سلمان الذي يربط الأراضي السعودية بالمصرية.
لغة الأرقام مفيدة هنا لفهم حجم الصندوق السيادي السعودي الجديد، فهو يفوق القيمة السوقية لأكبر 5 شركات تقنية في العالم، وهي: أبل، وجوجل، ومايكروسوفت، وشركة علي بابا للتجارة الإلكترونية، وفيسبوك. كما أنه يعادل أضخم 3 صناديق سيادية في العالم المملوكة لكل من النرويج وأبوظبي والصين.
أما جسر الملك سلمان فهو يربط القارتين الآسيوية والأفريقية ليجمع بلدين عربيين رئيسيين. ومن المتوقع أن تكون له عوائد اقتصادية تقدر بنحو 200 مليار دولار سنوياً. هذا عرض اقتصادي موجز، ولكن الأهم فيه هو البعد السياسي الذي يقف وراء تحركات الرياض ومبادراتها الاستراتيجية التاريخية.
التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط تكشف حجم التنافس السياسي الإقليمي والدولي، وهو تنافس من الواضح أن أطرافه إقليمية بعد أن كانت أطرافاً دولية لقرون. ومحاولات طهران الفاشلة للتحول لقوة عظمى غير مجدية، وأقصى ما يمكن أن تصل إليه أن تكون قوة شبه كبرى يتراجع نفوذها سريعاً في ظل تحدياتها الداخلية وتورطها العسكري إقليمياً في عدد من الدول العربية.
بالمقابل فإن السعودية اختارت مسارها المستقبلي، خصوصاً لمرحلة ما بعد النفط بتكوين قوة سياسية واقتصادية وعسكرية بقرارات مدروسة بهدوء، وهو ما يؤهلها لأن تكون القوة العظمى في الشرق الأوسط قبل دخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
مثل هذا التحول في نمط القوة بالشرق الأوسط سيفرض معطيات مختلفة خلال السنوات المقبلة، ومن المتوقع أن يسهم في تغيير السياسات الخارجية للقوة الأعظم والقوى الكبرى في النظام الدولي. فلا يتوقع أن يستمر التعامل الغربي مع قضايا المنطقة كما كان في السابق، بل من سيحدد طبيعة هذا التعامل هي الرياض التي بدأت بفرض منطق جديد ومختلف عما كان عليه في السابق. بالتالي نحن أمام تفاعلات جديدة لن تخلو من المفاجآت، خصوصاً إذا أدركنا أن منافذ التجارة العالمية في الشرق الأوسط باتت تحت النفوذ السعودي وحلفائها الإقليميين من قناة السويس والبحر الأحمر، ومضيق هرمز والخليج العربي، إضافة إلى مضيق باب المندب وقاعدتها العسكرية الخارجية الأولى في جيبوتي، وهو ما يعطيها نفوذاً هائلاً في بحر العرب ومنطقة القرن الأفريقي.
كل ذلك يتم في وقت تصارع فيه طهران وحلفاؤها الإقليميون والدوليون من أجل صراعات في دول حولها نفوذها لدول فاشلة.