الرأي

إعلامنا الخليجي يتآكل!

نبضات


هل وسائل الإعلام الخليجي على قدر المسؤولية للسيطرة على أزماتها الداخلية قبل مواجهة أزمات الخارج الملتهب؟ يمر الخليج العربي بعدة حروب معاً وعلى جبهات متعددة، وتتصاعد بهذا قيمة الإعلامي وأهميته. لقد فتحت أبواب الحرب الإعلامية على مصراعيها، فإذا بأحصنة طروادة أكثر عدداً وعدة مما نتصور، وإذا بخيول وحشية تتبعها مجنزرات مدججة بصنوف السلاح، تتصدرها رسائل إعلامية تصوب يمنة ويسرة تؤلب الأحلاف والقوى ضدنا، وتفخخ برسائلها المسمومة الأحداث في وضح النهار. هل وسائل الإعلام الخليجية قادرة على خوض ذلك المعترك بمسؤولية وجدية، عندما تعلم علم اليقين أنها تواجه حرباً أصبح كل الإعلاميين فيها بلا استثناء جنوداً في الكتيبة؟! هل ستتحمل تلك المؤسسات تبعات تلك المعارك التي تخوضها، وتكون أهلاً لشرف الأقلام التي تحملها والوسائط التي تظهر من خلالها؟ أما أن نقف على أنقاض مؤسسات إعلامية، قبل أن تتطاير في الحرب شظية واحدة هنا أو هناك.. فإذا بأشهر قناة تلفزيونية في الوطن العربي إن لم يكن في العالم تسرح 500 إعلامي، فضلاً عن مؤسسات خليجية صحافية أخرى، فيما تغلق الأخرى مكاتبها في بيروت بعد تعرضها للتهديات الأمنية المباشرة، فهذا واقع مؤسف ومخيب للآمال!!
نشهد منظر الإعلاميين المسرحين من أعمالهم لأول أزمة مالية تعترض تلك المؤسسات، كطوابير الأسرى.. يزج بهم نحو أقدار ظلامية ومستقبل مقضي عليه. ألهذا الحد بلغ الخليج العربي من الهشاشة في إعلامه؟ ثم إن هل غلقت الأبواب كلها حتى لم يبق لتسريح الموظفين والإعلاميين من مفر في ظل الأزمة الاقتصادية التي مرت بها بعض المؤسسات الخليجية، أم أنها إعادة هيكلة مكسوة بقلة الحيلة أمام الأشهاد؟
ثمة حلول في الأفق ولكنها لم تر.. ولم يبحث فيها بما يكفي، فلنستدعي «زرقاء اليمامة» من قبرها تخبرنا بالقادم بعد طول مسير. ثمة حلول.. ولكننا لم نقف حتى على أعتابها، ولربما يكون أحدها إحياء مشروع إدماج الصحف الذي عملت به السعودية في المرحلة الثانية من تاريخ صحافتها، أو قليل من الدعم الحكومي كان من شأنه أن يحل بعض الأزمات المالية، أو كخطوة استباقية وما زالت الفرصة مواتية قبل فوات الأوان، لاستحداث لجان حكومية تعنى بها هيئات ووزارات الإعلام الخليجية مثلاً، لمراقبة نشاط مؤسسات القطاع الخاص الإعلامية، درءاً للفساد الإداري والمالي الذي أوقع ببعضها في الهاوية.
«إعلامنا الخليجي يتآكل».. وإعلام كهذا لا حاجة لنا به في أزماتنا الثقال، فهل أسمعت لو ناديت حياً؟!! لا حاجة لنا بإعلام متهلهل يدفن رأسه في الرمال مع أول هزة تعترضه، ويغلق مكاتبه لأول هجمة يتعرض لها من إحدى الخصوم، فإعلام كهذا لا مسؤولية له، ولا لكلمته أدنى درجة من درجات الشرف، إعلام كهذا متخاذل غير قادر على الدفاع عن قضايا أمته ولا التضحية في سبيلها، وكان يكفي طلب الدعم الأمني لتلك المكاتب من الدولة التابعة لها بدلاً من أن تغلق عند الجمهور بالشمع الأحمر. يقودنا ذلك للسؤال.. من يمثل القضية؟ ومن هو الأصلح للوظيفة الإعلامية؟ من روائع الإمام الشافعي –رحمه الله - قوله: «ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمرك، وإذا قصدت لحاجة.. فاقصد لمعترف بفضلك»، ولن تنطبق معايير كهذه في غياب خلجنة الإعلام.
ثم أننا قبل ذلك كله بحاجة لوقفة جادة في تصاريح المؤسسات الإعلامية وترخيصها، وألا يسمح لمؤسسة إعلامية أن تقوم إلا عندما تؤخذ كافة الضمانات على أنها أهل للمسؤولية ولن يهزها ريح، حتى لا يخرج من يمثل الخليجيين إلا من يستحق البقاء.

* اختلاج النبض:
تحية لصحيفة «الشرق الأوسط» لبقائها في لبنان رغم أنف التحديات، أنتم للبقاء أهل، مكانة مستحقة تلكم التي حظيتهم بها.. بلا منازع.