الرأي

هل دول مجلس التعاون بحاجة لعدو؟

نظــــــرات




كثيراً ما يطرح في تحليل السياسة الخارجية الحاجة لابتكار أعداء، سواءً كان العدو شخصاً، أو حكومة، أو دولة، أو حتى تنظيماً وحزباً. والفكرة في ابتكار العدو، توجيه كافة التفاعلات السياسية نحوه، وتحقيق مجموعة من الأهداف مرحلياً أو على المدى البعيد.
السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد على هذه الاستراتيجية، وبالتالي دائماً ما يكون لكل رئيس أمريكي حربه أو حروبه الخاصة. لذلك أثير جدل كبير بين الساسة في الولايات المتحدة بشأن حرب الرئيس الحالي باراك أوباما، حتى وصل البعض إلى قناعة بأنه الرئيس الوحيد الذي لم تكن له حربه الخاصة منذ انتهاء الحرب الباردة.
مع ذلك، لم يختلف الرئيس أوباما عن سابقيه فيما يتعلق بإيجاد أعداء للولايات المتحدة لتتم محاربتهم. فإدارة الرئيس الحالي حددت عدوها في الإرهاب والجماعات الإرهابية، بداية بالقاعدة وانتهاء بـ»داعش»، ولم تصنف أبداً التنظيمات الراديكالية المتطرفة التي تتبنى أيديولوجيا «ولاية الفقيه» في خانة الأعداء حتى يتم استهدافهم.
يمكن الاستفادة بعدة دروس من ذلك، وهو ما يدفعنا لطرح تساؤل حول حاجة دول مجلس التعاون الخليجي لعدو دائماً؟
من المعروف أن السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون لا تحمل مبادئ سلبية لدول الجوار أو دول العالم عموماً، بل انتهجت سياسات صداقة منذ مطلع سبعينات القرن العشرين. وحتى في الأوقات التي واجهت فيها أزمات وتحديات تتعلق بسيادتها ووجودها، فإنها لم تنقل علاقاتها إلى درجة العداوة، كما فعلت عندما قامت بتحرير الكويت من العراق، حيث تعاملت مع الأخير وفقاً لاعتبارات المصالح، والانتماء القومي رغم الخلافات الحادة مع حكومة البعث السابقة.
ظلت هذه الحال حتى بعد انتهاء الأحداث الرئيسة لما يسمى بـ»الربيع العربي»، حيث زادت قناعة دول مجلس التعاون بخطورة التمدد والنفوذ الإيراني المدعوم غربياً للسيطرة على مناطق واسعة من الشرق الأوسط، من بينها الخليج العربي.
الأحداث مع طهران صارت دراماتيكية سريعاً، فمن التحولات والتباينات في المواقف السياسية إلى قطع العلاقات، ثم حروب غير مباشرة على أراض ثالثة، قد تنتهي قريباً أو يطول أمدها.
علاقاتنا مع طهران تكشف لنا أهمية إيجاد العدو لمواجهته باستمرار، لا الانتظار إلى أن يأتينا خطره، ثم تبدأ المواجهة. وهذا لا يتم إلا بتقييم دقيق ومستمر، على أن يكون تقييماً جماعياً، وليس أحادياً من كل دولة خليجية.
ندرك جيداً حجم التباينات في المواقف الخليجية تجاه طهران، مع ذلك فإن القناعة تتطلب تقييم المخاطر بشكل جماعي، ثم مواجهتها وإن لم تكن هذه المواجهة جماعية أيضاً.
ليس عيباً أن تقوم سياساتنا الخارجية الخليجية على تحديد العدو من الصديق، لأن هذا التقييم مهم ومفيد لمصالحنا الاستراتيجية.