الرأي

عندما غيّبني «الشادور» وأنصفني التاريخ!

نبضات




أعيش معكم على هذه الأرض التي كان اسمها «البحرين»، والتي تصدر منها الصحيفة التي بين أيديكم، ولا أدري إن كان اسمها «الوطن» أو اسم آخر، تقرأون لي مقالاً بمزاج غير المزاج الذي أحدثكم به الآن، تلتقون بي في ذات طريق.. أو في محفل ثقافي – ما لم أُعدم أو أكن نزيلاً شبه دائم في السجون - فتجدونني أرفل بـ«الشادور الإيراني»، وأنتم كذلك بين «الشادور» و«كت وشلوار»!! كان هذا ما سيحدث لو لم يكن التاريخ محفوظاً في الذاكرة ومحفوفاً بعدالة المؤرخ ومصداقيته..!!
كمواطنة بحرينية.. خليجية.. لطالما كانت تستفزني الادعاءات الإيرانية حول البحرين، ولطالما شعرت بأن إيران قضيتي الأولى، باعتبارها الخطر الأول المحدق بالخليج العربي، فكم كان مستفزاً إحياء تلك الإدعاءات على مدى التاريخ بأدلة واهية، كان بعضها كفيلاً بضياع البحرين، لولا توثيق التاريخ وكشف حقائقه التي لربما غاب كثير منها عن الإدراك الجمعي، شأن ذلك شأن «اتفاقية شيراز لعام 1822» التي استندت إليها إيران عام 1927، في شكواها إلى عصبة الأمم، على خلفية توقيع اتفاقية جدة بين ابن سعود وبريطانيا، والتي أثارت الاحتجاجات الإيرانية بدعوى التعرض للسيادة الإيرانية على البحرين، إلاَّ أن إثبات بطلان هذه الاتفاقية - لأسباب كثيرة وثقتها بعض المراجع وغفلت عنها مراجع أخرى - ضمن للبحرين مستقبلها «الأنظف» الذي تتمتع به بعيداً عن البراثن الإيرانية القذرة.
ولا أقف اليوم على «اتفاقية شيراز» حصراً، وإنما قصدت أن أسوقها على سبيل المثال وحسب. من هنا.. تنطلق أهمية التاريخ لدى الشعوب، وأهمية أن يوثق التاريخ أولاً بأول في حينه لضمان ضياع تفاصيله الهامة التي قد تشكل مفترق طرق وخطاً فاصلاً في كثير من القضايا الجدلية على المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي باتت تضمنه بعض المشروعات التاريخية على نحو مشروع ذاكرة البحرين «ذاكرة وطن» والذي قطع خلاله «مركز عيسى الثقافي» شوطاً كبيراً في توثيق تاريخ مملكة البحرين. ونتمنى أن يغطي في هذا المشروع أو ما شابهه كافة المفاصل المهمة والحساسة من تاريخ المملكة على نحو ميثاق العمل الوطني والذي يعزى جهد التوثيق الأكبر منه للباحث غسان الشهابي في كتابه «ما كان البحر رهواً». كما تبدو الحاجة أكثر إلحاحاً لتوثيق تاريخ أزمة البحرين 2011، والتحول النوعي الذي شهدته المنطقة ومنها البحرين في التعاطي مع الأحداث الدولية والإقليمية وصناعة القرار السياسي، بالانتقال من مرحلة رد الفعل إلى الفعل من خلال عدد من الشواهد الهامة أبرزها «عاصفة الحزم».
يأتي هذا الاهتمام بتدوين التاريخ وتوثيقه لكي لا يكون عرضة للتزييف أو التشويه من قبل أصحاب المصالح المتعارضة مع البحرين وعموم دول الخليج العربي، وهو ما يجر لأن تسترعي موادنا الإعلامية مزيداً من الحذر فيما تطرحه بهذا الخصوص لكي لا تكون مستمسكاً علينا لتحقيق مآرب الخصوم أو غايات الأعداء في وقت لاحق، ويلقي هذا بمسؤولية عظيمة على وسائل الإعلام البحرينية والخليجية لتكون على مستوى من الوعي، ولتتحرى الدقة في محتوى المادة الإعلامية وغاياتها.
* اختلاج النبض:
شكراً للدور الرائد الذي يضطلع به «مركز عيسى الثقافي» في حفظ ذاكرة الوطن، والمتمثل بالجهود الجبارة المبذولة من قبل الشيخ الدكتور خالد بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي للمركز، والتي كان آخرها - قبل أقل من أسبوع مضى - إبرام مذكرة تفاهم مع جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تهدف إلى تعزيز التعاون المشترك، بما يصب في الحفاظ على تاريخ وهوية منطقة الخليج العربية في مواجهة محاولات تزييف التاريخ.