الرأي

الركوب على ظهور المشاهير

قطرة وقت


اليوم لا يعدم المرء وسيلة للوصول إلى الشهرة فهناك الكثير من الوسائل التي يمكن أن تعينه على تحقيق غايته هذه ليجد نفسه بين عشية وضحاها غارقاً في الأضواء والعالم يتحدث عنه قائماً وقاعداً. ولأن للشهرة والأضواء بريق خاص يصعب على الإنسان تجاهله خصوصاً في هذا الزمن لذا فإن البعض غير القليل من الناس يجتهد في الوصول إلى ذلك البريق فيستفيد من الوسائل المتاحة ويبتدع من الطرق والوسائل ما تعينه على تحقيق مبتغاه. يفعل ذلك حتى وهو يعلم أن من غير المستبعد أن ينقلب الأمر عليه كما ينقلب السحر أحيانا على الساحر، فيحترق وتضيع سمعته وقد يخسر مادياً أيضاً.
وإذا كان مبدأ «خالف تعرف» من أسهل الطرق للوصول إلى مثل هذه الغاية في الأزمنة الماضية ولا يزال، فإن الطريق الأسهل ليصير المرء في دائرة الضوء اليوم وينال الشهرة هو الركوب على ظهر من نال الشهرة من قبل ولا يزال متوفراً في دائرة الضوء وذلك عبر مناكفته بطريقة أو بأخرى. يكفي مثلاً أن ترفع دعوى قضائية ضد أحد المشاهير في أي مجال لتصير في دائرة الضوء أو ربما تشتهر، رياضياً كان ذلك أو سياسياً أو إعلامياً أو من المنتمين إلى أي مجال، ذلك أن رفع مثل هذه الدعوى وإن رفضت أو لم يكسب منها حكم فإن من شأنها أن ترفع الشاكي إلى دائرة الضوء التي يتمتع بها المشتكى عليه ولو لفترة قصيرة.
في السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص سعى البعض هنا إلى أن يصير في دائرة الضوء أملا في أن ينال الشهرة التي لا يستحقها عبر طرق ووسائل مختلفة، هناك مثلاً من أكثر من المشاركة في المسيرات لينال لقباً معيناً، وهناك من حرص على أن يصير الحديث عنه كمجهول آملاً في أن يصل إلى اليوم الذي يعلن فيه عن شخصيته فيبهر العالم بفعله التخريبي، وهناك من حرص على انتقاء الألفاظ الساخنة كي تكون تصريحاته نارية فيلفت الانتباه إليه، وهناك من صار يتواجد في الفضائيات «السوسة» أكثر من تواجده في بيته مع زوجته وعياله، وهناك من تعمد المواجهة كي يلقى القبض عليه ويسجن ولو لأيام كي يوهم نفسه والآخرين بأنه «مناضل» وأنه مستهدف ومطلوب، وهناك من حرص على ترديد مفردات معينة بمناسبة ومن غير مناسبة وضمنها تغريداته كي ترتبط بشخصه فيصير في دائرة الضوء، وهناك من عمل ولا يزال يبذل الكثير من الجهد كي يصير في تلك الدائرة التي من ميزاتها أيضاً أنها تكشف للناس المصابين بهذا الداء الذي انتشر في هذه السنوات على وجه الخصوص كما الوباء.
اليوم ولكي تصير في دائرة الضوء وتنال الشهرة ما عليك سوى أن تختار واحداً من الذين نالوا الشهرة في أي مجال بجهدهم واستحقوها عن جدارة وتختلق قصة معينة يكون هو أحد طرفيها وتحتل أنت الطرف الآخر. يقال إن حكم كرة قدم عربي صار في دائرة الضوء لفترة معينة بسبب إبرازه البطاقة الصفراء في وجه بيليه اللاعب الدولي الشهير خلال مباراة شاءت الصدف أن يكون حكمها! والأكيد أن الصحيفة الفرنسية التي نشرت رسومات مسيئة للإسلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام ما كان لها أن تصير في دائرة الضوء وتشتهر لولا أنها لجأت إلى هذا الأمر وقامت بذلك الفعل المنكر، ولولا هذا لما عاودت ممارسة الفعل نفسه. تفعل ذلك حتى وهي تعلم أن خسارتها المادية كبيرة. هكذا أيضاً تفعل صحف أخرى في العديد من دول العالم، فكل ما عليها كي تصير في دائرة الضوء هو أن تركب على ظهر من نال الشهرة واستحقها.