الرأي

هل الحشد في العراق شعبي أم شيعي أم إيراني؟ «2-3»

تحت المجهر


أود أن أوضح أولاً للقارئ الكريم أن ما ورد في الجزء الأول من مقالنا لم يكن المقصود به أبداً الإساة لأية جهة وطنية حكمت العراق، أو لأية شريحة أو طائفة من الشعب العراقي الكريم، الذي يستحق منا كل التقدير والاحترام، لما عاناه من ويلات الحروب ومقاومته لكل أشكال الاحتلال، بل هو تسليط الضوء على مرحلة بالغة الخطورة في مسيرة العراق.
نستأنف ما بدأناه في الجزء الأول من مقالنا، ونقول وبالله التوفيق، هنالك عوامل عديدة ساهمت في عسكرة المجتمع العراقي، منذ إزاحة الملكية عن سدة الحكم، والتحول إلى النظام الجمهوري، وتسلط عبد الكريم قاسم وفرض نفسه كالقائد والزعيم الأوحد، وتشكيله للمجاميع المسلحة خارج منظومة الجيش النظامي، ثم الانقلابات المتعاقبة ثم استلام «حزب البعث» لمقاليد الحكم ومروراً بالحروب التي خاضها العراق في العصر الحديث مرغما او مغرما، وآخرها كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير في غزو دولة الكويت، والذي يعتبر المفصل الرئيس في رسم واقع العراق بين حقبتين. فقد أدى ذلك لعزلة العراق دولياً وتركيعه اقتصادياً وكسره معنوياً، ثم تمكين القوى الكبرى من المنطقة. إن كل ما يعانيه العراقيون اليوم يعود سببه بشكل وآخر إلى التحول غير المدروس من النظام الملكي إلى الجمهوري، فلم يكن العراق في حينها مهيئاً لذلك التحول، كذلك ساهم قرار غزو الكويت في تعجيل التدهور في الوضع العراقي.
مقابل كل تلك الأحداث الجسام التي اجتاحت المنطقة كانت إيران ترتب خلاياها وأوراقها في المنطقة باحتلال ناعم دون أن ينتبه إليها أحد. وكانت قد وصلت إلى مراحل متقدمة في التنسيق مع أمريكا والدول الكبرى والكيان الصهيوني، وهي قد انتهت من تأهيل وتدريب وتسليح ميليشياتها وإعداد الأفواج الضخمة من الجهلة والمتخلفين ليتبوؤا المناصب المدنية في العراق فور سقوطه.
وألزمت أمريكا الجانب الإيراني بالابتعاد عن الأنظار والتزام الصمت الكامل لحين انتهاء العمليات في العراق حتى لا يستثار العرب والمسلمون وتفشل خطة احتلال العراق، ثم بعد ذلك يسمح لها بالدخول بقوة، مقابل أن توعز لمراجع الشيعة في النجف وتلزمهم بإصدار الفتاوى اللازمة لمباركة الاحتلال، وتسميته تحريراً، وتحريم مقاومتها، وفعلاً أصدرت الفتاوى المطلوبة وحررت الصكوك للسيستاني عرفاناً له بمساندة المحتل، وهذا ما ورد في مذكرات وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد وهي ما زالت كعظمة السمك مغروزة في حلق السيستاني ومقلديه، ولم يستطع أحداً منهم إنكار ذلك التصريح منذ صدوره وليومنا هذا. وكان من ضمن الشروط الإيرانية المخفية للتعاون مع أمريكا بتسهيل احتلالها للعراق أمران اثنان، وافقت أمريكا عليهما بدهاء بعيد المدى أو غباء، دون النظر لنتائجها المستقبلية، وهما حل الجيش العراقي السابق الذي أذاقهم الويلات طوال حرب طاحنة، امتدت لثمان أعوام، وتجريم ومن ثم اجتثاث قيادات «حزب البعث» ومطاردة وتصفية رجالاته، وفعلاً تم لها ما اشترطته ودخل العراق بعدها في نفق مظلم، وتورطت في ذلك القرار أمريكا قبل غيرها، ففتح عليها وعلى قواتها فوهات نار جهنم. وإيران جالسة فوق التلة تضحك بمكر ومنتشية بنصر كانت تحلم به على عدو كان لها حجر عثرة في نشر ثورتها المشؤومة في المنطقة.
وملأ بعد ذلك الفراغ الأمني الذي تركه الجيش العراقي بمزيج غير متجانس من المجاميع المسلحة الإيرانية المدربة لتلك الساعة، وخصوصاً أنه وبعد انهيار الجيش العراقي ومؤسسات الدولة وتنظيمات «حزب البعث»، فقد تركوا من ورائهم كماً هائلاً من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وقع جزء كبير منها بيد تلك المجاميع وهرب الخطير والنوعي منها إلى إيران وسوريا وكردستان العراق، وأخفي جزء آخر من قبل قادة الجيش العراقي السابق وبعض العشائر السنية والذين كان لديهم شعور بأنهم سيتحملون أوزار النظام السابق فأخفوها في باطن الأرض تحسباً لقادم الأيام، وتشكلت فيما بعد منهم فصائل المقاومة. ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل تعداه إلى إقناع أمريكا أن الشيعة هم الغالبية العظمى في العراق، وأن نسبة السنة لا تتجاوز في أحسن الأحوال 15% وهم أقلية ولا يصلحون لحكم الأغلبية. ولا ندري هل أن قادة أمريكا بهذه السذاجة ليضحك عليهم عرابو الاحتلال؟! أم أنها في خطتها إزاحة سنة العراق وبعض من أنظمة دول المنطقة عن سدة الحكم وتمكين الخط الشيعي بمباركة إيرانية في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد؟! وللحديث بقية.