الرأي

بناء الذات

بناء الذات


الحياة مدرسة، إذ يوجد في كل سنةٍ من عمر الإنسان منهج يتعلم منه ويعمل به، فالماضي هو الأساس، والحاضر هو البناء، والمستقبل هو العطاء.
إن بناء الذات يبدأ من مرحلة الطفولة، فالأطفال يمتلكون قدراً كبيراً من الذكاء لا نعيه نحن الكبار، وعليه يتوجب علينا أن نمنحهم الثقة مع التوجيه والإرشاد. فإذا لم يحظى الطفل بتلك الثقة، فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج كارثية، حيث تصبح ثقة الطفل بنفسه مهزوزة، ويصبح النمو الفكري لديه مشتتاً. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى صعوبة التكيف مع الحياة في المراحل اللاحقة. وقد يصل الأمر - في بعض الأحيان - إلى مرحلة الخطورة حيث تتولد لدى الطفل عندما يكبر النزعة العدائية، مما يشكل خطراً على نفسه وعلى المجتمع.
وأعلم أيها القارئ الكريم أن قوة الإنسان تكمن في ذاته وليس في غيره، فالإنسان القوي يظل قوياً ولو تخلى الناس عنه. ومن أهم جوانب شخصية الإنسان، الجانب العاطفي، فهو يرجح كفة شخصٍ على آخر، وهو من يحدد ما إذا كان المرء قوياً أو ضعيفاً، أو صالحاً أو شقياً. وعندما تكون في قمة سعادتك، فكن متزناً في حماسك وابتهاجك.
إن القراءة والمطالعة لا تكفيان من أجل اكتساب الخبرة. فالعوامل الأخرى كالخوض في معترك الحياة، والتعامل مع شرائح المجتمع المتعددة، والاطلاع على تجارب الآخرين تعد المكمل لعنصر الخبرة وبناء الشخصية. لذا نجد الجانب العملي في كل شيء أوسع بكثير من الجانب النظري. ومما لا شك فيه أن التعامل المباشر وعدم الاعتماد على وسائل أخرى عند التواصل مع الآخرين يزيل الحاجز النفسي، ويذهب الضغينة في كثير من الأحيان. كما أن الاعتياد على مواجهة المشاكل تعطيك جرعة تسمى «الجرأة». ولا تظهر – في كل الأحوال – ضعفك للعيان حتى وإن علموا بمواطن ضعفك.
ومن النادر أن تجد أشخاصاً يتبنون أفكاراً بناءة ويطبقونها على أرض الواقع. فالفكر المثالي هو الفكر الذي يلامس الواقع والمنطق معاً. والمنطق هو النهج الذي يستهدي به الإنسان لتسيير حياته اليومية وأموره الدنيوية، والمنطق مرتبطٌ بالفكر والوجدان معاً وليس بهوية الشخص. فقد يكون لدى الإنسان البسيط منطق، وقد يسير من هو أفضل حالاً منه في هذه الدنيا بلا منطق. كما أن مغريات الحياة كثيرة إذ تكثر الطلبات والرغبات في عصرنا الحاضر، ولا يميز معظم الناس حسنات رغباتهم من مساوئها. فتغليب العقل على غيره ليس بالأمر السهل، لكنه يتطلب مزيداً من الشجاعة والإقدام والثبات.
وما أجمل أن يمتلك الإنسان حساً دبلوماسياً عند تعاطيه مع مختلف الأمور حتى وإن لم ينخرط في العمل الدبلوماسي، فالمشاكل لاتُحل عن طريق معاينة المشكلة فحسب، بل يجب أيضاً أن يتم التعرف على العوامل المثيرة والعمل على إسكاتها.
يبدو أننا في هذا المقال انغمسنا كثيراً في أعماقنا وبواطننا، إلا أن هذه الكلمات رغم محدوديتها يمكنها أن تصنع الفرق وتخلق مجتمعاً صلباً وغير متهالك.