الرأي

أزمات ( حزب الله )!

المشاء

يواجه «حزب الله» اللبناني مجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية، ربما تؤثر بشكل مباشر على خططه المستقبلية في المرحلة المقبلة، وتلك الأزمات ليس أولها تكبده خسائر فادحة نتيجة تدخله في النزاعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط خاصة حرب سوريا، وقتاله إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد، ودعمه لشبكات إرهابية في دول خليجية، مروراً بالوضع المالي الصعب جراء تضييق واشنطن على ممولين محسوبين على الحزب، وتراجع أسعار النفط عالمياً، ما نتج عن ذلك خفض إيران الميزانية المرصودة له، ولن تكون آخرها أزمة الرئاسة اللبنانية مع دعم الحزب ترشيح زعيم «التيار الحر» العماد ميشال عون للرئاسة، على حساب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، رغم أن الأخيرين محسوبين على قوى «8 آذار»، ما ينذر بتفكك تلك القوى التي أبرز أركانها الحزب.
ولاشك في أن تلك الأوضاع ستؤثر بشكل أو بآخر على مستقبل الحزب، الذي فقد الكثير من مصداقيته منذ تدخله في حرب سوريا، وفقاً لمراقبين ومحللين.
وقد كثفت واشنطن من وتيرة إجراءاتها ضد رجال أعمال متهمين بالتورط في دعم وتمويل الحزب، ولا يكاد يمر شهر دون أن تعلن وزارة الخزانة الأمريكية عن إدراجها لأسماء أفراد وشركات على القائمة السوداء. وأدرجت الوزارة قبل أيام لبنانيين اثنين على لائحتها للعقوبات بتهمة القيام بتبييض أموال لحساب الحزب.
وقالت إن «محمد نور الدين وحمدي زهر الدين عملا عبر شركة نور الدين في بيروت «تريد بوينت إنترناشيونال» بتحويل أموال مرتبطة بصفقات للحزب وأفراد مدرجين على اللائحة السوداء من قبل».
وقبل يومين، كشفت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية عملية دولية أسفرت عن اعتقال أفراد شبكة تابعة للحزب متورطة في عمليات تهريب وتجارة مخدرات خاصة الكوكانيين، بملايين الدولارات بهدف تمويل عمليات إرهابية وشراء اسلحة في لبنان وسوريا. وتحاول واشنطن تضييق سبل وصول الدعم المالي إلى الحزب اللبناني المدان بارتكاب أعمال إرهابية والمشارك في زعزعة أمن واستقرار دول الشرق الأوسط، وهذا ما دفع وزارة الخزانة الأمريكية، إلى إدراج أكثر من 100 من الأشخاص والشركات المرتبطين بالحزب، على قائمة عقوباتها.
وكشفت التحقيقات الأمريكية أن «حزب الله» يعتمد على شركاء في مجتمع الأعمال لإيداع وإدارة وتبييض أمواله الإرهابية». وتلاحق الحزب تهم عدة بتبييض الأموال والتجارة في المخدرات التي تتم زراعة بعض أنواعها في مناطق بالبقاع اللبنانية المحسوبة عليه. ووفقاً لتقرير أصدره مجلس النواب الأمريكي فإن الحزب يجني ثلث ثروته من تجارة المخدرات، الأمر الذي حدا بمجلس الشيوخ الأمريكي إلى إقرار مشروع قرار بأغلبية ساحقة ضد «حزب الله» وطالب بإدراج الحزب كمنظمة تهريب مخدرات أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود.
ويتوقع المراقبون والمحللون أن الحملة الأمريكية ضد الحزب ستعمق أزمته المالية خاصة مع استهداف رجال أعمال يمولون الحزب، الأمر الذي من شأنه أن يثير مخاوف باقي الداعمين له، وربما تدفع الكثيرين منهم إلى غسل أياديهم من مساندة الحزب مادياً ومعنوياً.
ولا تقف أزمة الحزب عند الاستهداف الأمريكي، بل تمتد لكون الحزب متورطاً في النزاعات الإقليمية واستنزافه مادياً وبشرياً في حرب سوريا وإدانته بدعم الإرهاب وزعزعة استقرار دول عربية بينها دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي أدى إلى إدراجه على قائمة الإرهاب في البحرين والسعودية.
ونتيجة الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها الحزب، فقد لجأ مؤخراً إلى مجموعة من الإجراءات التقشفية بينها إلغاء المنح للميليشيات الموالية له، وخفض رواتب عناصره، وتقليل قيمة التعويضات للعائلات التي فقدت سندها في الحروب التي يخوضها، وكل تلك الإجراءات السابقة تعد نتيجة منطقية مع انخفاض أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، ما أدى إلى خفض إيران الميزانية التي تدعم بها الحزب سنوياً، وبالتالي فإن الحزب يواجه أكبر أزمة في تاريخه وتعادل خسائره في 18 عاماً من الحروب.
وأدى شح السيولة إلى تأخر الحزب عن تسديد رواتب المنتسبين إليه، في سابقة هي الأولى، وبرر ذلك بأنه ناجم عن خلل تقني، لكن الأمر ترافق مع تأخير كبير في دفع رواتب العاملين في المؤسسات الإعلامية القريبة من الحزب والممولة مباشرة من إيران، عبر ما يعرف بـ «اتحاد التلفزيونات الإسلامية»، وهو تأخير وصل في بعض المؤسسات إلى 4 أشهر. وربما أزمة السيولة الراهنة التي يعاني منها الحزب نتيجة منطقية لاتهامات شملت قياديين ومقربين من الحزب بقضايا فساد مالي بمبالغ ضخمة كملف صلاح عز الدين، وللخسائر الجمة في انخراطه في سوريا.
وما يعزز ضعف السيولة انقطاعُ الدعم العراقي بعد رحيل الحليف القوي نوري المالكي، وما تمر به طهران من صعوبات اقتصادية التي نالت من موارد الحزب، رغم خصوصيته وأولويته لديها.
وتشير تقديرات إلى أن عدد قتلى الحزب في سوريا تجاوزوا 1500 شخص بخلاف آلاف الجرحى منذ بداية الأزمة السورية، وأن أكثر من 350 عنصراً قتلوا خلال العام الماضي. وعلقت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية على ذلك بالقول إن «حزب الله» الوكيل الأهم لإيران بالمنطقة، ينزلق في المستنقع السوري، ويفقد صورته كقوة قتالية بالمنطقة».
* وقفة:
ألقت مشاركة «حزب الله» في القتال بسوريا بظلالها على لبنان وأدت إلى تصاعد التوتر الداخلي، وتعد التفجيرات التي تشهدها البلاد بين فترة وأخرى أبرز التداعيات لتدخل الحزب في سوريا، الأمر الذي يجعلنا نطرح تساؤلاً على مؤيدي وداعمي الحزب في الدول العربية، ألا وهو، لماذا انتقد الأمين العام السابق لـ «حزب الله» صبحي الطفيلي قتال الحزب بسوريا واعتبر من يقتل من أفراده في سوريا مصيره جهنم؟