الرأي

من سيشعل النسخة الثانية من «الربيع العربي»؟

نظــــــرات



مازالت هناك اختلافات في الرؤى والتصورات بشأن من الذي أشعل أحداث ما يسمى بـ «الربيع العربي». فهناك من يرى أنها حركات طبيعية جاءت من شعوب دول المنطقة بسبب الظروف التي تمر بها هذه المجتمعات وتدفع نحو التغيير بعد فترة طويلة من الجمود. وهناك من يرى أنها صنيعة أطراف إقليمية ودولية دفعتها مصالحها إلى إثارة هذه الفوضى الخلاقة العارمة في المنطقة.
شخصياً، أميل كثيراً إلى التصور الثاني، وقدمت فيه كتاباً، ولكن النسخة الثانية من «الربيع العربي» لن تكون مشتعلة من نفس الطرف رغم التقاء المصالح، بل ستكون بدايتها مختلفة عن النسخة الأولى.
الشعوب العربية باتت أكثر وعياً بكيفية إحداث التغيير ومخاطره، ولذلك هي تعيش حالة شديدة من التردد منذ عدة سنوات بعدما شاهدت نتائج التغيير السياسي، ونتاج الثورات العربية الفاشلة التي قادت إلى صراعات داخلية حادة، وحروب أهلية، وزادت فيها نزعات التطرف.
في تقديري هناك أربع فئات في معظم المجتمعات العربية المستقرة وشبه المستقرة، الأولى فئة تتطلع للتغيير مهما كان ثمنه، والثانية فئة تخشى من التغيير ونتائجه الكارثية بناءً على التجارب التي شاهدتها، والثالثة، فئة تعيش حالة ضياع بين رغبة في التغيير وخوف منه، أما الفئة الرابعة فإنها فئة متحولة لأنها كانت جزءاً من الفئة الثانية، ولكنها سرعان ما تحولت إلى الفئة الأولى لأسباب عديدة.
أسباب التحول التي ساهمت في تحويل هذه الفئة هي الفراغ السياسي الذي تعيشه المجتمعات العربية حالياً بسبب تبدلات القوى السياسية بشكل متسارع فلم يعد معروفاً من هي القوى السياسية الصاعدة «إسلاميون، يسار.. إلخ»، والهامش الواسع الذي أتاحته شبكات التواصل الاجتماعي لتشكيل جماعات افتراضية تربطها قناعات مشتركة وتعمل بنشاط لتشكيل اتجاهات الرأي العام باستمرار دون قيود.
هذه الفئة مرت بعدة مراحل من التحول، وهي غير مستقرة أيديولوجياً، ولكنها تبحث عن فرص ونفوذ، ولذلك انساقت تلقائياً نحو الفئة الأولى. وتحولها إلى هذه الفئة واندماجها تدريجياً هو الذي سيساهم في إشعال النسخة الثانية من «الربيع العربي».
بالمقابل هناك قوى إقليمية ودولية تراقب هذا التحول، وتعول عليه كثيراً، لأنه يخدم مصالحها واستراتيجيتها للتغيير السياسي في المنطقة. لذلك لن يكون الدعم مباشراً لقوى التغيير الداخلية، بل سيكون دعماً غير مباشر، خاصة وأن بيئة الدول العربية المستقرة وغير المستقرة مازالت تتسم بالقابلية لإحداث التغيير من الداخل وليس من الخارج.