الرأي

الموصل تستصرخكم فلا تخذلوها!!

تحت المجهر



المراقب للملف العراقي وتداعياته يلحظ بوضوح أن الخط البياني المتصاعد للعنف وعدم الاستقرار الأمني فيه يكاد يتمركز في المحافظات السنية، وفي بعض من المحافظات الخليطة بين الطائفتين، والذين تعايشوا وتصاهروا منسجمين متحابين لعقود مضت، كمحافظة ديالى وحزام بغداد، هذا من الناحية الأمنية أما القواسم المشتركة لكل محافظات العراق عدا «إقليم كردستان الذي ينعم باستقرار أمني مشوب بقلق اقتصادي»، فهي تتمثل في الفساد الذي يزكم الأنوف والذي ترك ميزانية العراق خاوية لدرجة أن وزيرالمالية هوشيار زيباري فاجأ العراقيين بتصريح له تراجع عنه لاحقاً وبضغط من الحكومة «بأن ميزانية وزارة المالية ستعجز في أبريل المقبل عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين»!
وهذا موضوع آخر، سنفرد له عموداً نفصل فيه كيف نهبت أموال العراق وأين ذهبت؟!
كذلك تراجع التعليم وعودة الأمية وعودة مدارس الطين بعد أن كان العراق في مقدمة الدول التي قضت على الأمية، ناهيك عن انتشار الأوبئة وعودة الكوليرا والأمراض الفتاكة، بسبب تراجع الخدمات الصحية وتهرئة البنى التحتية، وانتشار عصابات الخطف والسلب والتي لا يقتصر نشاطها على من تبقى من أثرياء وكفاءات العراق، بل يتعدى ذلك إلى السياح الأجانب على ندرتهم، كالذي حصل مع الصيادين القطريين والذي ما زال الغموض يكتنف مصيرهم.
هذا بشكل عام أخواتي وإخواني الأفاضل الوضع العراقي المرتبك والذي وصل إلى هذا الحد من التردي تحت ظل الاحتلال الأمريكي ثم وصاية «الولي الفقيه»!!
ودعونا ننتقل بكم إلى جزء آخر منه لا يقل أهمية عن باقي محافظاته، والذي أصبح منسياً لا تغطيه أي وسيلة إعلام حيث إنه قد ضرب عليه طوق من حديد وهو أشبه بمثلث برمودا فالداخل فيه مفقود والخارج منه مولود!!
إنها مدينة الموصل تلك المحافظة التي يقطنها ما يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة وكانت يوماً كالعروس الكحلاء الغافية على نهر دجلة، فاختطفت من حضن العراق الدافئ، لتقع أسيرة على يد مجاميع إرهابية خارجة عن القانون في مؤامرة وضيعة يدفع أهلها أرواحهم ومستقبلهم مقابل لعبة قذرة تتداخل فيها المصالح.
الموصل اليوم تعيش أصعب أيامها، وقد أشاح المجتمع الدولي بل الأقربون بوجوههم عنها فقد تكالبت عليها كل قوى الشر، ولم تسلم حتى من قسوة الحكومة المركزية التي تعمدت معاقبة سكانها وأخذتهم بجريرة تنظيم الدولة «داعش»، فقطعت عن أهلها مصدر رزقهم، بإيقافها صرف رواتب موظفيها كذلك تعمدت حجب حصتها من الميزانية والطاقة الكهربائية والوقود والمستلزمات الصحية وكل مستلزمات الحياة المدنية الكريمة.
فالمدينة يحاصرها الموت من كل مكان؛ الجامعات والمعاهد والمدارس معطلة، والمستشفيات خاوية من الأدوية والمجاعة ضاربة أطنابها، الخوف يلف الجميع فلا يعلم ابن الموصل متى يحز السيف رقبته، بوشاية من بصاصي «داعش»، أو تخترق طلقة مؤخرة رأسه مقيداً ومعصوباً، ولا يعلم متى تهوي قنابل وصواريخ القوات الأمريكية لتدك داره وتحيله وأطفاله إلى أشلاء ممزقة، ثم تعلن تلك القوات المخادعة أنها قتلت العشرات من قيادات «داعش» وهي في الحقيقة استهدفت أولئك البؤساء.
ما ينتظر تلك المدينة الصابرة من مصير محتوم بسبب الحصار المضروب عليها أمر مرعب يفوق ما جرى في مضايا السورية، وإن لم يتدارك المجتمع الدولي ويتنبه لها فستقع كارثة ومجاعة وأوبئة وأمراض لا تسعفه بعدها كل منظمات الإغاثة العالمية، وستنتقل آثاره المدمرة إلى الدول المجاورة.
أما من الناحية الأمنية، فإن أي تحرك تحت راية مليشيات «الحشد» وبنفس سيناريو الرمادي وتكريت وديالى فهو محكوم بالفشل، وسترتكب فيها مجازر تفوق كل التوقعات، كذلك من الخطأ الفادح إخراج «داعش» بدون قوة تحكم المدينة عندها ستنزلق المدينة إلى حرب أهلية فقد غدت مهيأة لها.
من هنا بات من الضروري تدويل قضية الموصل والإسراع بتشكيل قوات حماية دولية.
وأخيراً، فأهالي الموصل اليوم سادتي أصبحوا كجنود طارق بن زياد المحاصرين، فـ «داعش» من أمامهم، و»الحشد» من ورائهم، والقوات الأمريكية فوقهم، والموت بانتظارهم.
الموصل المسلمة العربية يا شعوب وقادة الأمة تستصرخكم فلا تخذلوها!!