الرأي

هل من تجديد للخطاب الديني؟ «3-6»

هل من تجديد للخطاب الديني؟ «3-6»








إن نقد الخطاب - او الخطابات - الديني المعاصر يتجلى من خلال جملة من الاختلالات على رأسها:
1- عدم الواقعية وعدم العمل بمقتضى «قواعد العقل» الإنسانية المشتركة وهو بذلك يعطي مبررات التشويه والوصم وإحراج المسلمين، ويقف حجر عثرة في وجه الانطلاقة الحضارية للمسلمين.
2- افتقار هذا الخطاب للبلاغة ولغة الخطاب والحجاج المنطقي الهادئ الملائم لإنسان العصر، خاصة إذا كان خارج الوطن الإسلامي، ويتبدى ذلك من خلال انتقاء مفردات «الترهيب والتعذيب والتهديد» والوعد والوعيد للمتلقين، بغض النظر عن حجم الخطأ أو نوع المعصية، مما خلق حالة من الخوف والنفور وازدياد حالات المروق من الدين!
3- افتقار القائمين على أداء الخطاب الديني إلى السمات الشخصية، والمعرفه العلمية، والمهارات الاتصالية التي تمكنهم من التفاعل بنجاح في إطار اتصالي إقناعي يتطلب وعياً بخصائص كل من «المرسل والرسالة والمتلقي والأثر والسياق»!!
4- غياب الأسس البنائية للخطاب كإطار معرفي واضح تحركه قيم إنسانية تغري الآخر بالرغبة في التعرف أو الاعتناق أو التوقير، ومن هذه الأسس النصية على سبيل المثال:
* الرحمة والمساواة بين البشر، «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
* الدعوة إلى العلم والمدنية، «إقرأ باسم ربك الذي خلق».
* تكريم الإنسان وإعلاء قيمته، «ولقد كرمنا بني آدم».
* الحرية ورفض العبودية والإكراه، «لا إكراه في الدين».
* الإقرار بالاختلاف ونبذ الخلاف، «ولا يزالون مختلفين».
* العمل حق وواجب، «الذين آمنوا وعملوا الصالحات».
* نبذ الفكر الخرافي، «سنريهم آياتنا في الآفاق...».
* قيم الإنتاج والعلم والعمل، «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، «حديث شريف».
لقد توجه الخطاب الديني المعاصر إلى الشحن العاطفي مذكراً بمجد غادر، داعياً إلى توحد قوي عنيف في مواجهة «أعداء الأمة» حيث لم تكن هناك حاجة وجودية إلى هذه المواجهة في الحقبة التي تلت الاستقلال الوطني، وكان هذا على يد جماعات «دينية سياسية»، لم تعتد إلا بما أسمته «مشروعاً إسلامياً» يتجاوز مفاهيم القومية والوطنية، وظلت وفية لمبادئها التي تأسست عليها في ظروف «مغايرة»، انعدمت كلياً في حقب كثيره، ولكن هذه الجماعات غابت بخطابها عن السياق التاريخي والسياسي بحيث كان صراعها مع الأنظمة الوطنية مرهقاً لها ولمجتمعاتها فكان أن توالدت حلق الصراع في صورة اغتيالات سياسية تارة، أو تغييباً في السجون تارة أخرى، وصولاً للمرحلة الراهنة التي هي مرحلة التشظي الخطابي والفوضى السياسية، مع بروز محاولات خارجية عده لاستقطاب هذه التيارات على حساب الانتماء الوطني.
إن ما يشار إليه من بديل فكري في إطار الخطاب - او الخطابات الدينية المتعددة - حول فكرة «برنامج الإصلاح» كان مفجراً لعداوات سياسية أكثر منه التئاماً للحمة الوطنية أو اعتصاماً «بحبل الله» في جمع الكلمة الوطنية وتوجيه طاقة المجتمع نحو العمل والإنتاج ومحاربة الفقر والجهل والمرض، وكلها أسس إسلامية كان يفترض أن تكون محركاً لهذا الخطاب، وعلى العكس من ذلك توجهت أطروحات «الخطابات الدينية» إما إلى هدم السلطة القائمة، أو «تشويه» المؤسسة الدينية من خلال السخرية من رموزها، أو طرح شعارات «كفرية» وتزعم ارتكاس المجتمع في «الجاهلية»، وأن الخطاب يفترض أن يكرس لإعادته إلى «الإسلام من جديد»، ناهيك عن أطروحات أخرى ألقت بالمسؤولية على قوى خارجية استعمارية أحياناً واستكبارية أحياناً أخرى، مما اعتبر تبريراً غير مقنع لأزمة «بنائية هيكلية» في الخطاب ذاته. يتبع.