الرأي

هل من تجديد للخطاب الديني؟ «2-6»

هل من تجديد للخطاب الديني؟ «2-6»


إن تحديد مفهوم الخطاب الديني مجتزأ منه «الوحي المقدس» «القرآن والسنة»، وادعاء أو احتكار المقدرة على تفسيره أو تأويله من قبل فرد ما أو مؤسسة معينة من دون سواها يمثل موقفاً لا يعبر عن الواقع خاصة وأن كثيراً من الرؤى الراديكالية في تفسير النصوص تعتمد على هذا «النص المقدس ذاته»، ويعني ذلك من جهة أخرى أن الخطاب الديني يجب أن ينظر إليه من زاوية الجهة أو الفرد الذي يتبناه، وهو ما يستتبع وجود مجموعة من الخطابات المتعددة داخل الخطاب الديني الواحد، ويمكن على سبيل المثال رصد تمايز خطاب خاص للاتجاه السلفي عن الخطاب الديني للفكر الإخواني، وتمايز الخطاب الديني «السلفي المعرفي» عن خطاب «السلفية الجهادية»، واختلاف كل ما سبق عن الخطاب الديني «للمتصوفة»، أو»التكفير والهجرة»، أو «الجهاد» أو حزب «التحرير الإسلامي» أو»الطائفة الشيعة بتياراتها المختلفة أو حتى ما يطرحه تنظيم الدولة «داعش» وغير ذلك من فرق وجماعات تطرح نفسها كرؤى متقاربة أحياناً ومتناحرة أحياناً أخرى، وهذه الخطابات بمفاهيمها المختلفة و»تصارعاتها» هي تأويل متقارب أو «متناحر» لنصوص واحدة تقوم في الوقت نفسه بالتصارع منفردة أو مجتمعة مع الخطابات الأيديولوجية الأخرى سواء كانت «سياسية» أو «ثقافية» أو حتى تنتمي لديانات أخرى مما يجعل ساحة الصراع حافلة بتشظ واقعي ربما تظل في طاقة الاحتمال طالماً لم تتعد عتبة «العنف»، وهذا ما لا نراه في واقعنا المعاصر حالياً حيث لا يلمس المراقب سوى خطاب «اعتساف النص» مستخدماً كل مكونات الخطاب – المقدس منه والبشري – وبرموزه وطقوسه لغةً، وكلماً، وصورةً، وقتلاً، وتفجيراً، أو ذبحاً وحرقاً بغرض فرض الاستمالة من دون مسوغ شرعي، أو إنساني، أو أخلاقي!
وإذا كان مفتاح الانعتاق من هذه العتمة أو «الوحدة» التي يرتكس فيها الخطاب الديني المعاصر مرهوناً بصحوة جديدة، وفهم حضاري لحقيقة من خلال ينبوعه الصافي بعيداً عن التعصب، والشوفينية والإرهاب!! ناهيك عن الخرافة وأهواء السلطة والنفوذ والثروة، فإن ذلك يمكن أن يتأتى – فقط – عندما تنتهي حالة التشظي الحالية التي شوهت حقيقة الديانة وصبغتها بالعنف والفوضى، وذلك بالاعتماد على المراجع المعتمدة كالأزهر الشريف في تبني النهج الوسطي الإنساني بحيث يكون الخطاب داعياً إلى المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية بعيداً عن الأوهام الناتجة عن خطابات «تلفيقية».
منطلقات الخطاب الديني
يشير د. طه جابر العلواني «2016» إلى عجز الفكر المعاصر عن إيصال مضمون الخطاب الإسلامي «السليم» ومحتواه، قرآنا وسنة وشريعة وأخلاقاً. وأن ما أسماه «المشروع الإسلامي» دفع الخطاب الإسلامي ليكون في جزء كبير منه خطاباً تعبوياً بحكم ظروف الصراع المرير بين «الأمة» و»أعدائها» الناتج عن اختلال أهم وأكثر في ديار المسلمين في القرن الماضي وأوائل هذا القرن، وهو طرح ربما يكون مقبولاً في حقبة الثورة على الاستعمار وسعي الدولة الوطنية إلى الاستقلال باعتبار أن «الجهاد» والثورة على المحتل «واجب مقدس»، ولكن أي مقاربة للطروحات والرؤى الدينية عقب نشأة الدولة الوطنية منذ الخمسينات لا يمكن القبول بها حالياً كمبرر وحيد لعجز الخطاب الديني عن أن يكون خطاباً معبراً عن حقيقة الدين وغاية المسلمين من تحقيق الاستقلال، وهو ما يجعلنا مطالبين بالرجوع إلى أدوات التحليل المنهجي التي تحلل مفردات هذا الخطاب أو «الخطابات» لمعرفة أسباب استمرارها في تعويق الانطلاقة الوطنية وترسيخ نموها خاصة في الفترة الراهنة التي تشهد بروزاً لتيارات «دينية سياسية» متطرفة تجاوزت الأطر الوطنية والإنسانية في خطابها وغدت كأنها أذرع معادية لوجود الدين ذاته، ولا تنتمي للثقافة الإسلامية قولاً وفعلاً، كما إنها أصبحت عبئاً دينياً وسياسياً وثقافياً يرقى إلى حد الخطر الوجودي على مكتسبات الدولة الإسلامية الحديثة. يتبع.